"الأراجوز".. إبتكار المصريين القدماء لمخاطبة الملوك

"يا حضرة الأراجوز قولي، نعم يا عمدة عاوز إيه، منين يروحوا المتولي، إمدح نبينا وصلي عليه، اللهم صلي عليه".. جاءت كلمات الشاعر المصري الراحل "صلاح جاهين"، في مسرح عرائس "الليلة الكبيرة" بين الأرجوز وحضرة العمدة، التي قام بتلحينها المبدع "سيد مكاوي"، لتصف حال الموالد الشعبية في مصر بشكل رائع، من خلال مجموعة عرائس صممها الفنان "ناجي شاكر"، الذي تخرج من كلية الفنون الجميلة بمشروع دبلوم عن العرائس.

 

كان الأراجوز القائد الرئيسي لمسارح العرائس في مصر، فلا يخلو مسرح منه، لقدرته على معالجة الأمور الحياتية اليومية التي تواجه البسطاء، بشكل فكاهي ساخر، يدفع جماهيره للضحك على همومهم، إلى جانب أنه كان يمزج الكثير من المعلومات وسط تلك السُخرية، ما جعله أحد أهم وسائل نقل المعرفة عبر العصور، كما أنه كان وسيلة مهمة لإستفزاز الحس الوطني والسياسي للشارع المصري، وأحيانا ما كان يأخذ دور الدعاية والإعلان والنشر.

 

بدأ الأرجوز في العصر الفرعوني السحيق، وكان يسمى "إرجوس"، وهي تعني حرفيا "يصنع كلاما معينا"، ومنها اشتقت كلمة "أراجوز"، وهو إسم يعود إلى العصر العثماني، حيث كان يسمى وقتها "قراقوز" أو "الأرا أوز"، وتعني الـ"عين السوداء"، سُمي بهذا الإسم ليعكس فكرة النظر إلى الحياة بمنظار أسود، وإزدهر هذا الفن الساخر في أواخر العصر المملوكي قبل الغزو العثماني لمصر.

وفي العصر الحديث، كان الأراجوز سبباً في ظهور مسرح العرائس الشعبي، الذي تأسس عام 1960 علي يد المونولوجست والفنان المصري محمود شكوكو الذي كان يلقب بـ" شارلي شابلن العرب"، فكان يرتدي جلبابه وطرطوره الشهير ليقدم عروض مصاحبة مع الأراجوز، بعد أن تفرغ تماما في أواخر الأربعينيات ليصنع العرائس الخشبية التي قدم بها تلك العروض، ومن هذه العروض السندباد البلدي، الكونت دي مونت شكوكو، حتى أفتتح مسرح العرائس الشعبي.

 

واليوم، يعتبر مصطفى عثمان المعروف فنيا بإسم صابر المصري أكبر وأشهر لاعب أراجوز في مصر، وهو أحد تلاميذ الفنان القدير محمود شكوكو، يعمل بفرقة "ومضة" التي حافظت علي هذا الفن من الإندثار، بتدريب الشباب داخل وخارج مصر على كيفية التعامل مع تلك الدُمية.

 

أما بالنسبة للدمية نفسها، فكانت تصنع قديما من الخشب الخفيف والقماش، فأيدي الدمية ورأسها التي ترسم عليها تعابير حادة ساخرة مصنوعة من الخشب، أما الجسم فهو عبارة عن فستان من القماش أحمر اللون مطرز باللون الأصفر، بالإضافة إلى طرطور من القماش من نفس اللون، يتحكم لاعب الأراجوز في رأس الدمية بأصبع السبابة، ويحرك يديها بأصبعي الوسطى والإبهام، ولم تتطور تلك الدمية في العصر الحديث سوى في استبدال الأجزاء الخشبية بأجزاء من البلاستك.

وفيما يخص صوت الأراجوز المميز، فكان لاعب الأراجوز قديما يستعين بوضع قطعة من "النحاس" في فمه، لكنها كانت قابلة للصدأ وتسبب له مشاكل صحية، لذلك استبدلها بقطعة من "الأستانلس"، تلك القطعة يطلق عليها أصحاب المهنة "الأمانة"، فهي بالنسبة لهم "صوت الحق"، الذي يعكس الوضع السياسي والاجتماعي للبلد، توضع "الأمانة" فوق لسان اللاعب تحديداً في منتصف الحلق ليخرج منها الصوت الذي يبهر الجميع.

 

يختبأ الأراجوز خلف لوح من الخشب يقال عليه "المسرح"، وهو عبارة عن عربة علي هيئة متوازي مستطيلات، يرسم عليها صورة للأراجوز وبعض الشخصيات التي تشاركه في التمثيل، وفي مقدمة العربة ستارة سوداء.

 

من أبرز الشخصيات المشهورة التي لعبت دوراً مؤثراً مع الأراجوز، الفتوة، والخواجة، وموشي ديان، والشاويش، وعثمان، وزوجته نفوسة، وزوجته السمراء بخيتة، ولاعب الأراجوز قادر على تغيير صوته ليجسد كل الشخصيات الموجودة في الرواية، ومن أهم الإكسسوارات التي يسخدمها في هذه العروض العصا الطويلة والزمارة والبطانية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية