شارك في البناء أكثر من 20 ألف مهندسين وعامل

"تاج محل".. رمزا الحب الذي تحول لأهم عجائب الدنيا السبع

"دمعة على خد الزمن".. بهذه العبارة وصف شاعر الهند الحاصل على جائزة نوبل "روبندرونات طاغور" في أوائل القرن العشرين ذلك النصب التذكاري، الذي يقف منذ 370 عاما ليكون شاهدًا على أن بعض من قصص الحب لا تفنى عبر الزمن، بل تظل عابرة للتاريخ، وفي عام 1983 وضعته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، ضمن "مواقع التراث العالمي"، حتى أضحى أهم عجائب الدنيا السبع.

 

لم يكن ذلك الأثر العملاق الذي عُرف عالميا بإسم "تاج محل"، سوى دمعة حزن خلدها الإمبراطور المغولي حاكم الهند "غياث الدين خُرم جهانكير"، الذي أشتهر بإسم "شاه جهان"، فعندما فقد زوجته "أرجمند بانوبيكم" الذي كان يدعوها بـ"ممتاز محل" أي جوهرة القصر، أراد أن يُخلد ذكراها بأعظم تاج في التاريخ، فأنشأ لها ضريحًا عملاقًا تجمع عمارته بين الفن الفارسي والعثماني والهندي، ليصبح الأكثر تميزًا في العمارة المغولية.

بُني "تاج محل"، والذي يقف في شمال غرب الهند، وتحديدًا على الضفة الجنوبية لنهر "يامونا" بمدينة أكرا، من رخام المرمر الأبيض الخالص، لذلك يتغير لونه مع انعكاس ضوء القمر والشمس عليه، وقد وصف شاه جهان ذلك بأن "الشمس والقمر تذرف الدموع من الأسى"، كما طُعم الهيكل بـ28 نوعًا من الأحجار الكريمة وشبة الكريمة كالفيروز، واللازورد، والليس، والتبت، والكريستال، واليشم، التي تم استيرادها من الصين وراجستان والبنجاب وأفغانستان وسريلانكا، أما الجزيرة العربية فجاء منها حجر "العقيق"، وقد استخدم في نقل تلك المواد ما يقرب من ألف فيل.

 

لتصل إلى ذلك الضريح عليك أن تعبر بوابته الرئيسية الضخمة التي يصل ارتفاعها إلى 35 متر، شيدت من الحجر الرملي الأحمر، يعلوها 22 قبة صغيرة بعدد السنوات التي استغرقها البناء، على يمين البوابة توجد مباني مسقوفة كانت بمثابة غرف للنوم لنحو 20 ألف من العاملين الذين بنوا ذلك التاج، وبمجرد أن تعبر البوابة تجد حديقة الضريح التي تصل مساحتها إلى 300 متر، يتوسطها بركة مياه مستطيلة، تبدأ من بعد البوابة حتى تنتهي عند هيكل التاج، وفي منتصف المسافة بين البركة والقبر يوجد خزان ماء رخامي.

رغم أن المتبع في الثقافة المغولية، أن الأضرحة تتوسط الحدائق، إلا أن حديقة تاج محل خالفت ذلك، فهيكل التاج يقع في نهاية الحديقة على ضفة النهر مباشرة، وإن كانت وزارة الثقافة الهندية تؤكد أن المهندس المعماري "علي ماردان" الذي وضع تصميم الضريح، أعتبر النهر ذاته جزء من التصميم، وأن حديقة "ماهتاب باغ" التي توجد على الضفة الأخرى من النهر باقي التصميم.

 

أما الضريح نفسه، فبني على مسطبة عريضة مطلية بالمرمر الأبيض، أقيم على أركانها 4 مآذن دائرية الشكل، يبلغ ارتفاع كل واحدة منها نحو 37 مترًا، يحيط بكل واحدة ثلاث شرفات دائرية عريضة، وفي منتصف المسطبة يرتفع الضريح بواجهاته الأربع، يعلوه خمس قباب، أربعة منهم على زوايا سطح الهيكل، أما القبة الخامسة فتتوسط السطح، وهي أكبرهم يبلغ قطرها نحو 17 متر، ويصل ارتفاعها إلى 22.5 متر، سُميت بالقبة البصلية أو القبة الجوافية، أعلاها مزين على شكل زهرة اللوتس، التي تعطي انطباعا بالارتفاع، أسفلها مباشرة يوجد ضريحي الأمير شاه جهان وزوجته الأميرة ممتاز.

استغرق بناء الضريح 22 عاما، حيث بدأت عمليات البناء عام 1632 وانتهت عام 1653، أما المآذن والمساجد والبوابة والحديقة، فاحتاج بناءهم 10 سنوات إضافية، بتكلفة وصلت إلى 32 مليون روبية، شارك في بناء الضريح أكثر من 20 ألف من المهندسين والعمال، كانوا جميعا تحت إشراف الإمبراطور، من بينهم المهندس "أحمد لاهوري" المصمم الرئيسي للضريح، والمهندس "إسماعيل أفندي" مصمم القبة الرئيسية، والمهندس "عيسى محمد أفندي" الذي أضاف اللمسة المعمارية الفارسية، بالإضافة إلى الخطاط الإيراني " أمانة خان".

 

ولقد عُثر على قائمة في الجانب الشمالي من النهر، منقوش عليها أسماء 671 من المشاركين في بناء الضريح، وكانوا جميعا من الهند وبلاد فارس وأوروبا وتركيا وإيران وسوريا وآسيا الوسطي، يرى بعض الأثريون أن تلك القائمة كتبها العمال الحرفيين الذين كانوا يعملون في البناء تخليدًا لأسمائهم، وبعد خمس سنوات من إنتهاء البناء، قام "أورنكزيب" بثوره ضد أبيه "شاه جهان" وعزله من الحكم، وحدد اقامته حتى توفى عام 1666، فدفنه بضريحه داخل التاج بجوار ضريح زوجته.

خلال حكم أورنكزيب، تعرض التاج للإهمال حتى انهارت أجزاء منه، كما قام الجنود البريطانيون وأعيانهم بتشويه جسم الهيكل بالنقش على جدرانه، حتى أمر اللورد "كارزون" نائب الملك بإعادة ترميمه من جديد، واكتملت تك الترميمات عام 1908، كما أشرف على إعادة ترميم الحديقة الخارجية فحملت الطابع البريطاني للحدائق المترامية، وقام بتركيب المصباح الكبير الموجود بالحجرة الداخلية للضريح، وهي تشبه المصابيح الإسلامية التي كانت تستخدم كثيراً بمساجد القاهرة.

 

أدت الشهرة التي اكتسبها تاج محل إلي سعي العديد من الثقافات والدول لتقليده في حدائقهم، ما أدي إلي ظهور نسخ مقلدة له في كل من حديقة نافذة على العالم مدينة ترفيهية، وتقع في الجزء الغربي من مدينة "شينزين" الصينية، وعدة مباني صممت على شكل تاج محل مثل تاج محل بنغلادش، ومقبرة "البيبي كا"، في أورانقاباد في ولاية ماهاراشتارا، وكازينو وفندق ترامب تاج محل في مدينة أتلانتيك في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، وضريح طرابلس شرين في مدينة "مالواكي"، بولاية ويسكونسن الأمريكية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية