بطول 8 آلاف كيلو متر

"سور الصين العظيم".. أضخم حصن عسكري في تاريخ البشرية يمكن مشاهدته من الفضاء الخارجي

قبل أكثر من ثلاثة قرون من ميلاد السيد المسيح، حاول أباطرة أسرة "تشين" توحيد بلاد الصين، في نفس الوقت نشطت في وسط أسيا بعض الجماعات الهمجية التي ترفع دائمًا شعارات الغزو والتدمير، وتحت وطأة ضرباتهم بدأ الأباطرة في بناء سور ضخم يُحيط بالحدود الشمالية للاراضي الصينية، استمر بناؤه أكثر من 10 قرون كاملة.

 

"سور الصين العظيم".. ذلك البناء الأضخم في تاريخ البشرية، والذي يمكن مشاهدته من الفضاء الخارجي، ويبلغ طول السور حوالي 8850 كيلو متر، ويمتد عرضه من خمسة إلى سبعة أمتار وأما ارتفاعه  فيبلغ من خمسة إلى سبعة عشر كيلومتر، انقسم السور دفاعيًا إللي تسعة مناطق مختلفة، لكل منطقة رئيس إداري، ومجموعة من الجنود يتولون الدفاع عنها، وطبقًا للمؤرخين، وصل عدد الجنود المرابطين على خط السور في عهد أسرة مينغ الملكية، حوالي أكثر من مليون جندي.

وكان القمر الصناعي "بروبا"، والتابع لمصلحة الفضاء الأوروبية، قد تمكن من التقاط صورة واضحة لسور الصين العظيم، بل أنها أعلنت من خلال رائد الفضاء الأمريكي "جين سيرنان" أن السور يمكن رؤيته بالعين المجردة عند مدار الكرة الأرضية علي ارتفاع ما بين 160 و320 كيلو متر، وذلك في فبراير 2004 في سنغافورة، وإن الصورة التي قدمها القمر الصناعي "بروبا" تم التقاطها من إرتفاع 600 كيلو متر عن سطح الكرة الأرضية.

 

الحقيقة أن ذلك السور العظيم لم يكن مجرد حائط صد حصين تواجه به الصين هجمات القبائل الهمجية المتوحشة، بقدر ما أنه أضحي فيما بعد أحد أهم الوسائل الإستراتيجية العسكرية لحماية الأراضي الصينية، تحول مع مرور القرون وآلاف السنين إلي رمز عريق، يشير إلى قوة وذكاء ومهارة الشعب الصينى المعمارية الفريدة، واليوم يقف كأحد أهم عجائب الدنيا السبع في العالم.

 

استغرق بناء السور كما قلنا أكثر من 10 قرون لبناؤه، شارك في عملية البناء مئات الآلاف من العمال، قُتل منهم عشرات الآلاف نتيجة الظروف القاسية التي تعرضوا لها، خاصة وأن عملية البناء تمت بشكل يدوي بدائي، وطيلة التاريخ تعرضت أجزاء من السور لعمليات التدمير من قبل الهجمات الشمالية المستمرة علي الأراضي الصينية، ما استوجب إعادة بنائه وترميمه من جديد،

يبدأ سور الصين العظيم من منطقة "تشنهوانغتاو"، على خليج البحر الأصفر فى أقصي الشرق، ثم يمتد بطول الحد الشمالي للأراضي الصينية حتي منطقة "غاوتاى"، فى مقاطعه "غانسو"، ليستمر إمتدادة حتى يعبر بكين متجها إلى "هاندن" في أقصي الغرب، ولأنه يمتد لأكثر من ثمانية آلاف كيلو متر، فقد تم بنائه بمختلف المواد الطبيعية التي تتميز بها بيه المنطقة التي يمر بها، ففي المناطق الصحراوية بني من الأحجار المحلية، ومن أنواع معينة من الصفصاف، وذلك لندرة الصخور، أما في مناطق هضاب التراب الأصفر، فيكون بناؤه من التراب المدكوك والطين 

 

بمجرد أن قضي الإمبراطور الصيني "تشين شي هوانغ" علي الحركات المتمردة، وانتهي من توحيد البلاد عام 221 قبل الميلاد، أصدر فرمانًا للجنرال "مانغ تيان"، بسرعة ضم الأسوار القديمة التي بناها سابقيه وترميمها، وعمل سور ضخم بطول 5 آلاف كيلو متر، تم الإنتهاء منه في  204 قبل الميلاد، ليمثل ذلك حدا فاصلا بين الشعب الصينى المتحضر، والشعوب الشمالية البدوية والبربرية.

تعرض سور الصين العظيم طيلة آلفي عام إلي الكثير من الإهمال والتدمير، حتي منتصف القرن الرابع عشر، حينما تولت اسرة "مينغ"، والتي تولت حكم الصين من عام 1368 حتي عام 1644 ميلادية، فقد كان لها الفضل فى الحفاظ على هذا الأثر التراثى العالمى لليوم، حيث قاموا بترميمة وإستبدال الأجزاء المبنية بالطين ببنائات من الحجارة، كما قاموا بإستكمال السور حتي بلغ طوله إلى أكثر من سبعة آلاف كيلو متر تقريبا.

 

يضم سور الصين العظيم عدد ضخم من أبراج الحراسة، والتي شكلت فيما بينها قلاع صغيرة، أو أبراج مراقبة بإرتفاع 12 متر، ويقدرها البعض بحوالي 40 ألف برج، فكل 200 متر تم بناء برج للحراسة، وأعلي قمته توجد قناة لصرف مياة الأمطار وحمايته من الإنهيار، ورغم مرور أكثر من 20 قرن علي بنائه يصعب تحديد طوله بشكل أكثر دقة، فالسور حتي اليوم مازال قيد الاستكشاف، وإن كان العلماء قد تمكنوا من تحديد طوله بأكثر من 8 آلاف كيلو متر تقريبًا، يتخلله عدد كبير من الممرات والأبواب، وسلالم داخلية تمكن الزائر من الصعود إلي سطح السور.

لم يكن السور مجرد وسيلة للأمن والدفاع فقط، ولكنه أيضًا مارس دورًا إقتصاديًا طيلة سنوات السلم، فكان وسيلة لمتابعة الهجرات غير الشرعية، وبوابات لفرض الرسوم التجارية، خاصة وأنها تقع علي طريق الحرير التاريخي بين الشرق والغرب، واليوم هي وأحدة من أهم المواقع الأثرية الجاذبة في العالم، حيث يقوم بزيارتها اليوم أكثر من 1.5 مليون سائح أجنبي سنويًا، وذلك رغم اختفاء أجزاء منه نتيجة لجوء بعض السكان لتدمير الحجارة واستخدامها في بناء منازلهم.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية