تعدي سكانها حاجز المليون نسمة

"شعب الماساي".. قبائل شرق أفريقيا التي تحدث الزمن

علي الرغم من مظهرهم الخارجي، والذي قد يجعلك تشعر بالخوف والرهبة منه، إلا إنه في واقع الأمر شعب ودود، طيب، يحب الحياة، يتجلي ذلك بعشقه للألوان الذاهية، خاصة الأحمر والأزرق، إضافة إلي رقصهم الدائم علي إيقاع الطبول الأفريقية لأوقات طويلة، تلك هي الحياة التي يفضلها شعب الماساي، فكثيرًا ما الرجل منهم يجلس متّكئًا على قصبة رمحه ومنشدا الاغاني لقطيعه المطمئن في المراعي.

 

في رحلتها الأخيرة لشرق أفريقيا، وأثاء مرافقتها مشروع المساعدات التنموية "أفريقيا أميني ألاما"، وذلك في ربيع عام 2015، تمكنت المصورة الأمريكية "Jutta Riegel" من تصوير وتسجيل الحياة اليومية لشعب الماساي، من عادات وتقاليد وتراث وغيرة، خاصة في المناطق النائية والبعيدة عن أي تجمعات حضارية.

والماساي.. ذلك الشعب الذي يستوطن دولتي كينيا وتنزانيا، وتحديدًا بالقرب من بحيرة توركانا، وتمتد ذلك للبحر الأحمر، ويقدر عدد سكانه بحوالي مليون مواطن، ويتميز بأنه شعب حيوي يعمل في مهنة الرعي،‏ يعيش في الأرضي السهلية الشاسعة، والتي تكونت حول الإخدود العظيم لإفريقيا الشرقية،‏ شعب لم يبدله الزمن،‏ فلا يزال يعيش بالطريقة نفسها تقريبا التي عاشها أسلافه قبل قرون مضت، لا يبالون بالوقت،‏ ولا يتغيرون بتغير شروق الشمس وغروبها، أو بتغير الفصول.

أهم ما يميز شعب الماساي أنه شعب محارب بقوة عن كل ما يخصهم، لذا نجد لديهم قانون بفصل الشباب قبل أن يبلغوا عن خيمهم، في حين تظل المرأة في منزلها لتربية الأبناء، كما يتميزون بالقدرة على البقاء احياء في البيئة القاسية والطبيعة الوعرة للاخدود العظيم، دائما تراهم يقطعون مسافات كبيرة بحثا عن مراعٍ خضراء ومصادر مياه لقطعانهم، تربطهم روابط قوية بتلك القطعان، فنراهم يعتنون بظباء النور، وحمير الزرد، والزرافات، وغيرها من الحيوانات البرية التي تشاركهم موطنهم.

طيلة قرون طويلة مضت ارتبط شعب الماساي بروابط عاطفية مع أبقار النو أو ظباء النو، لذا نشأ ذلك الإعتقاد الذي يؤكد أن تلك الابقار هي ملك لهم، فطبقًا للأسطورة التي تقول انه في البداية كان لله ثلاثة ابناء، اعطى كلًّا منهم هدية، نال الإبن الأول سهما من أجل الصيد،‏ والثاني مِجرفة من أجل الزراعة،‏ والثالث عصا من أجل رَعْي الأبقار،‏ ويُقال ان هذا الإبن الاخير صار أب أمة الماساي،‏ ومع ان القبائل الأخرى تملك أبقارًا،‏ يعتقد الماساي ان هذه الحيوانات هي من حيث الأساس ملك لهم.

ويعد شعب الماسي من القبائل التي لم ترضخ لحكم الإستعمار البريطاني، والذي تم خلال الفترة من "1904ـ 1913"، فدخلوا في عدد كبير من المعارك أشهرها معركة "بحيرة نيفاش" غير المتكافئة، فقد واجهوا الجيش البريطاني برماحهم وسهامهم، فتلقت صدورهم العارية العشرات والمئات من الرصاص الحي، فسقط منهم أكثر من 3000 قتيلًا، في حين لم يُقتل سوي جندي بريطاني واحد، رغم ذلك عاقبهم البريطانيين بنشر وباء "الحمي الصفراء"، كما تخلصوا من الكثير من قطعان الماشية والأبقار، ليموت الكثير من الشباب، ولم يبق سوي شريحة كبيرة من المسنين، والذين يحظون بتقدير من أفراد القبيلة لخبراتهم الطويلة في الحياة وحكمتهم، كما يحظى النساء بنفس مكانة المسنين الاجتماعية.

أما عن زعيم القبيلة، فله ما يميزه عن غيره، دائمًا تراه يرتدي قبعة من لباد الأسد، أو يرتدي قناع ريش النعام الأسود على الوجه، دلالة على مكانته الاجتماعية وشجاعته ونفوذه، في حين تتميز النساء بارتداء الحلي المصنوعة من الخرز على شكل حلقات بيضاء توضع على الرقبة، كما أنهن حليقات الرأس، حافيات الأقدام، ذات آذان مثقوبة، ينتمون للعديد من العادات والتقاليد، فيقومون بزخرفة أجسادهم السمراء بالألوان الثابتة من الأبيضوالأحمر والأخضر والأزرق والبرتقالي الطيني، يحظي كل فرد بألوان مختلفة، طبقًا  لعمرة ومرتبته الاجتماعية، والتي يتم تحديدها وفقًا لعدد الأبقار التي يمتلكها.

طيلة قرون واجه شعب الماساي العديد من التحولات والتغيرات المختلفة، خاصة من ناحية تأثير التنمية البشرية علي سهول السافانا الخصبة، ولكنه رغم ذلك لم يرضخ لتلك التحديات واستمر في نشاطة الرعوي، يعتمد قانونهم الأسري علي قانون فصل الرجال وزوجاتهم وأطفالهم عن الشباب الذين لم يبلغوا بعد، ولكل منهم معسكر خيمي خاص به، وبعدما تبلغ الفتاة تتزوج دون أخذ رأيها لأول رجل ناضج يدفع المهر.

أما المرأة فلها دور إجتماعي كبير في حياة شعب الماساي، فبالإضافة إلي تربية الأبناء وإحضار الماء والحطب وبناء المنازل وتصميم الحلي وعمل الملابس، فهي تقوم بذبح المواشي المرشحة للأكل والمآرب الأخرى وتوزيع الألبان وفصل منتجاتها، كما أنها تمتلك علي الزوج بعض السيطرة، فرغم قوته كمحارب لا يستطيع أن يدخل المنزل إلا باذنها، فمنزل الزوجية ملكية خاصة للزوجة في شعب الماساي.

يعيش شعب الماساي في معسكرات مبنية من خيام من الجلود والطين والقش، تتراوح أعدادها ما بين 10 خيام إلي 20 خيمة تسمي "أنجانج"، وهي للمتزوجين فقط، ويحيط بها عادة سياج كثيف من الشجر الشوكي منعا لاعتداء الحيوانات المفترسة، وتسللس غرباء القبائل الأخرى، وتحمي العائلات وقطعان الماشية والأغنام والخراف الخاصة بها، وهي مظلمة تماما إلا من فتحة في السقف تسمح بالضوء وتعمل على تهوية دخان الحطب المستعمل في الطبخ وتتكون من غرفتين.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية