أقدم ما عرفه الإنسان من مساكن تربية الطيور

"أبراج الحمام".. تراث شعبي مُهدد بالإندثار

تعد أبراج الحمام أقدم ما عرفه الإنسان من مساكن التربية، وقد تناقل مربو الحمام تربيته في الأبراج جيلاً بعد جيل، وكانت تنتشر ما بين أسوان إلى الفرات، والثغور والطرقات الشامية والمصرية، والحجاز وغزة، وبلغ عددها إلى ما ذكره ابن عبد الظاهر في كتابه "تمائم الحمائم"، إلى آخر جمادي الآخرة سنة 687 هجرية، يوليو 1288 ميلادية، قرابة 1900 طائر، حيث كانت الطيور المذكورة تخرج من أبراج القلعة، باستثناء مجموعة كانت في برج بالبرقية خارج القاهرة، يُعرف ببرج الفيوم، رتبه الأمير فخر الدين عثمان بن قزل أستادار، الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وقيل له برج الفيوم.

 

وقد برع كثير من الناس في بناء أبراج الحمام وأخذوا يقيمونها على هيئة أشكال هندسية جميلة، فمنها ما يبنى على هيئة مخروطية، ومنها ما يبنى على هيئة قباب مستديرة، ومنها ما يبنى على هيئة حجرات تزينها فتحات التهوية التي تعمل على أشكال مختلفة تعطي الأبراج منظراً جميلاً.

كانت أبراج الحمام أحد المعالم السياحية التي كانت تشتهر بها الفيوم، وأحد عناصر البيئة الريفية التي تشتهر بها المحافظة، وتنفرد بتصميمها الفيومي الذي يميزها عن أية أبراج للحمام في محافظة أخرى، وتفخر بتاريخها العريق باعتبارها أحد مراكز البريد الجوي في الدولة الإسلامية، حيث كانت قلعة الجبل في مصر تحتوي على أبراج الحمام، التي تطلق حمائمها إلى أنحاء مصر من خلال المراكز التابعة لها في جميع أرجاء مصر وسوريا.

 

تغيرت وظيفة الأبراج إلى تربية الحمام الزاجل للمحبين الذين يتبادلون رسائلهم من خلاله، أو من يرسلون رسائلهم بعيدا عن المراقبة، والعيون أو للهواه الذين يحبون اقتناء أنواع فريدة للحمام، لذا فهم يطلقون على مكان تربية الحمام "غِيًه"، بينما يبني المزارعون أبراج الحمام، لتربية حمام الطعام، أو لاستخدام مخلفات الحمام كسماد جيد للأراض.

أما أشهر أبراج الحمام التاريخية في مصر، فطبقًا الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية المصرية، تعد أبراج حمام دنشواي بمحافظة الفيوم الأشهر تاريخيا، لما ارتبط بها من أحداث، والتي تسمى بأحداث دنشواي التاريخية، وأبراج الجفدون، والتي كان يمتلكها بشري بك حنا، وهي مشيدة على مساحة ربع فدان، وقد قدر ما بها من حمام بري بنحو 60 ألف زوج، وأبراج ناحية القصر والصياد، وهي بنجع حماد، كانت ملك سمو الأمير يوسف كمال باشا بن أحمد كمال بن أحمد رفعت بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، وهي أكبر الأبراج في القطر المصري، ويقدر ما بها من حمام بمائة ألف زوج.

 

يتكون برج الحمام من الطين المخلوط بالتبن، والقواديس، وهي عبارة عن "زلعة" أو أواني تصنع من الفخار، وفي بعض الأحيان يتم بناء قاعدة خرسانية من الأسمنت تقام عليها الأبراج لحمايتها من كثرة المياه في الأراضي الطينية، أما عن الأواني الفخارية فهي في الغالب أسطوانية الشكل، مغلقة من أحد طرفيه ومفتوحة من الطرف الآخر، يبلغ طولها 25 سم، وقطر فتحتها 15 سم، ومنتفخة في مؤخرتها انتفاخًا يصلح لأن يكون عشًا مناسبًا لا يتدحرج منه البيض، وتحفظ الصغار من السقوط.

يقسم البرج من الداخل بجدارين متعامدين إلى أربعة أقسام متساوية، ويقسم كل قسم فيها إلى مستطيلين بواسطة حاجز من الطين، يقام على جذع نخلة ممتد بين جدارين متقابلين على ارتفاع متر أو متر ونصف من مستوى البرج، وتوضع القواديس كذلك في الجدارين المتعامدين، وفي الحواجز المذكورة بالتبادل، بمعنى أن كل صنف تتجه فتحاته في جهة مخالفة للصف الذي فوقه أو تحته، والبرج المبني على هيئة حجرة طولها خمسة أمتار، وعرضها أربعة أمتار، وارتفاعها خمسة أمتار، تحتوي على حوالي 700 إلي 1200 قادوس، يسكنها من 500 إلي 700 زوج من الحمام.

 

أما عن الثلاث فتحات الأخرى فهناك فتحة من الداخل للوصول منها إلى الأقسام الثلاثة الباقية، ويفتح في كل قسم من أقسام البرج الأربعة من أعلا طاقتان أو ثلاث مستديرة قطر الطاقة نحو 8 سنتيمتر لدخول وخروج الحمام، كما توضع بعض أغصان الشجر أو الأوتاد العريضة الخشبية تحت هذه الطاقات، وحول البرج من أعلا تسمى بالحمالات، وهي معدة لراحة الحمام ورياضته قبل دخول إلى البرج وخروجه منه، كما أن لهذه العروق الخشبية فوائد أخرى، إذ أنها تستعمل لوضع المعالف عليها لتغذية الحمام وقت الحاجة، وبجانب ذلك يستعملها الفلاح لنظافة البرج ولأخذ صغار الحمام، ويطلى البرج من الداخل بالطين المتخمر حتى لا توجد شقوق تكون مأوى للآفات والحشرات، ويدهن من الخارج بمحلول الجير حتى يكون محبوب لدى الحمام فيحب الإقامة فيه، ولا تنجح إقامة الأبراج إلا بجوار مجرى ماء كالنيل أو ترعة لا ينقطع منها الماء.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية