قصة دخول السيارات مصر بدأت عام 1890 ميلادية

"دي ديون بوتون" السيارة التي روعت المصريين منذ 130 عام

قبل 131 عاما، وتحديدا سنة 1890 ميلادية، حدث تحول كبير في الحياة في مصر، فجأة ودون مقدمات ظهر على الطرق الغير ممهدة ذلك الشبح الذي ينطلق بسرعة لا يفهمها عقل أو منطق في هذا الزمان، حتى أن المارة من البشر والحيوانات كانوا يفرون من أمامه، ظنًا منهم أنه شيطان مُخيف يُثير الفزع.

 

"De Dion-Bouton".. تلك كانت أول سيارة تدخل الأراضي المصرية، وتسير على طرقها البسيطة، وذلك في تسعينيات القرن الـ18، فرنسية الصنع، تسير بسرعة 20 كيلومتر في الساعة، كان من الطبيعي أن تثير وقت ظهورها تلك الحالة من الرعب والفزع بين الناس، فقبل ظهورها كانت السيارات التي تجرها الدواب هي الوسيلة الوحيدة المتعارف عليها للإنتقال من مكان إلى آخر، مثل الكارو والحنطور والكاريتا، فلا يفرق النبلاء والأمراء عن الفقراء في تلك الوسيلة سوى ملكيتها.

لم يكن هذا حال مصر وحدها، بل كان حال العالم أجمع، حتى أعلن المهندس الألماني "كارل بنز" عن أول سيارة ميكانيكية لا تجرها الدواب سنة 1885 ميلادية، وقام بتسجيلها كبراءة اختراع بمدينة مانهايم الألمانية عام 1886، وفي عام 1888 أنتج أول سيارة باسم "مرسيدس بنز".

 

ورغم أن "كارل بنز" هو صاحب الفضل الأول لظهور السيارات، إلا إنه لم يكن الوحيد الذي فكر في هذا العمل الفارق في تاريخ الإنسانية، ففي نفس الوقت كان العديد من المهندسين يعملون على بناء سياراتهم الخاصة، ففي سنة 1886 ببلدة "شتوتغارت" بجنوب ألمانيا، قاما "جوتليب دايملر" و"ويلهلم مايباخ" بتسجيل براءة اختراع لأول دراجة بخارية، والتي أنشأت عام 1885م، وقبل ذلك بـ15 عاما، وتحديدا عام 1870 اخترع "سيغفريد ماركوس" سيارة بمحرك يدوي لكنها لم تتعد المرحلة التجريبية.

كيف إذا دخلت السيارات إلى مصر؟، ومتي؟، الحقيقة أن هذا الفضل يعود إلى الأمير عزيز حسن حفيد الخديوي إسماعيل، ففي عام 1888 سافر في رحلة دراسة وعمل إلى ألمانيا، وتحديدًا في مدينة بوتسدام الألمانية، وهناك رأى تلك السيارات التي لا تجرها الدواب، فأصر على شراء أحداها، وفي سنة 1890 عاد بها إلى مصر كنوع من الرفاهية، رغم معرفته بأن الطرق وقتها لا تتناسب إطلاقًا معها، ولا يتوفر لها وقودًا، حتى أنه كان يقوم بشرائه خصيصا من أوروبا.

 

كانت حركة الأمير عزيز بسيارته مقتصرة على حدائق القصر الملكي، لكن في سنة 1904، قرر القيام بمغامرة غير محسوبة العواقب، فخرج من القاهرة برفقة صديقيه في رحلة إلى الإسكندرية، وهي مسافة تصل إلى 210 كيلومتر، استغرقت الرحلة حوالي 10 ساعات كاملة، وكان عليه أن يخترق مزارع الفلاحين ويدهس المواشي لعدم وجود طرق وجسور في الطريق، ولأنها المرة الأولي التي يرى فيها الفلاحين تلك السيارة، فقد اعتقدوا إنها عفريت من الجن، وانهالوا عليها بالضرب، ولولا سرعتها لكان الأمير فقد حياته، وهم لا يعلمون إنه حفيد الخديوي. 

وفي سنة 1901 أشتري الأمير محمد علي توفيق سيارة أخرى، وكان الأمير محمد متهورًا يقود سيارته علي سرعة 30 كيلومتر في الساعة، ما أدي إلي الإصطدام بسيارة كارو محملة بالخشب، ليتم تسجيله كأول حادث سيارات في تاريخ مصر سنة 1904، بعد حادثتي الأمير عزيز والأمير محمد علي غزت السيارات مصر تدريجيا، فقد قرر الخديوي عباس حلمي شراء سيارة له، وشق أول طريق ممهد بين القاهرة والإسكندرية لإنعاش السياحة الأوروبية في القاهرة، وخلال سنة واحدة أصبح يوجد في القاهرة 101 سيارة، وفي الإسكندرية 56 سيارة، منها البيجو والرينو، بانهارد ليفاسور، كليمان باياردز ودراقس، بالإضافة إلى 50 عربة جانبية للدراجات النارية وحافلتان شاملتان من نوع ديتريش تابعة لشركة "كايرو أومنيبوس" Cairo Omnibus التي تم تشكيلها حديثًا.

 

وفي 1908، أنشأ أول مركز خدمة لميكانيكا السيارات في مصر، بينما انتهى مشروع طريق القاهرة الإسكندرية سنة 1910، منذ ذلك الوقت استمرت عمليات التطوير للطرق مع استيراد السيارات، ليحتكر قيادتها الرجال فقط، حتى حصلت السيدة الاسكندرانية عباسية أحمد على أول رخصة للقيادة سنة 1920، لتكون أول امرأة تقود سيارة بشكل رسمي على مستوى مصر والوطن العربي وأفريقيا، وفي عام 1938 تولي الحكم "الملك فاروق" وكان معروف بأنه محباً لقيادة السيارات، حتى أن أدولف هتلر أهدى إليه سيارة مرسيدس حمراء مميزة.

ولقوة الاقتصاد المصري في ذلك الوقت، اقترحت غرفة التجارة الفرنسية على الحكومة سنة 1907 أن تنفق جزءًا من فائضها على تشكيل الطرق، خاصة من الإسكندرية إلى القاهرة، لتسمح بمرور سيارات بقوة تصل من 80 إلى 100 حصان، وفي الوقت نفسه، تشكلت أول شركة سيارات أجرة في الإسكندرية، كما افتتح نادي سيارات في القاهرة يشبه نادي سيارات باريس، ويوجد في شارع مادابغ الذي يطلق عليه الآن شارع شريف، هذا النادي كان تحت رعاية الخديوي عباس باشتراك سنوي 5 جنية، وكان يرأسه الأمير عزيز كأول مالك للسيارات في مصر، أما أمين الصندوق فكان رجل الأعمال الكبير جوستاف مويس كاتاوي، كما افتتحت شركة كايرو موتور كأول محطة خدمة وجراج.

 

وفي عام 1924، افتتح نادي السيارات الملكي المصري في فيلا رئيس الوزراء السابق يوسف وهبة باشا في شارع الشواربي، برعاية الملك فؤاد، وكان أول رئيس لها هو الأمير جميل طوسون، والسكرتير العام اليوناني أليكس كومانوس، والسكرتير الفخري الأول إيلي نسيم موسيري، ويبلغ عدد الأعضاء المؤسسين 50 عضوا.

ومع كثرة الراغبين في اقتناء السيارات، حدثت الكثير من التغيرات الجذرية في شوارع القاهرة والإسكندرية، فقد اضطرت الدولة لتقطيع الأشجار، لكي تستوعب الطرق الأنواع المختلفة من السيارات، والتي كان منها الفورد، ولامبداس، وأورياس، وديلاجس، وإيزوتا، وغيرها، كما أصبحت محطات خدمة شل وموبيل من معالم المدينة.

 

"من الأبطأ".. أعتدنا جميعاً أننا إذا أعددنا سباقا للسيارات يكون الهدف منه هو تحديد من الأسرع والأمهر في القيادة، وفي أغسطس 1925، أقيم أول سباق للسيارات في الإسكندرية، بمنطقة سان ستيفانو، الغريب في هذا السباق، إنه كان يدعو لتحديد من الأمهر في القيادة البطيئة للسيارة، على شرط أن لا يتوقف السائق بعد تشغيل محرك السيارة، وكان السباق يغطي مسافة 15 مترا فقط، وفي مارس من العام التالي، نظمت حفلة رياضية أخرى في مينا هوس، وتوالت حفلات سباق السيارات، حتى أصبحت جزءا أساسيا من موسم الترفيه في كل من القاهرة والإسكندرية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية