"سياحة السفاري".. رحلات البراري التي ابتكرها الأوروبيون لاكتشاف الصحاري الأفريقية

سلاسل جبلية، صحارى مختلفة الألوان، آبار وعيون كبريتية، وواحات من النخيل تنبت وسط الكثبان الرملية الناعمة، شواطء وخلجان ومياه صافية صفاء البلور، كل ذلك أمتزج ليشكل لوحة طبيعية متكاملة تجذب الكثير من محبي التخييم وسط عالم من الحياة البكر.

 

"السفاري".. أحد أنواع الرحلات البرية التي تشتهر بها مصر حول العالم، فالأماكن البكر التي تزخر بها، جعلتها مقصدا لذلك النوع من السياحة، خاصة أن تلك الأماكن تجمع بين الهدوء البدائي وعبق التاريخ، بالإضافة إلى روعة الطبيعة البرية.

 

هذا النوع من الرحلات بدأه الرحالة الأوروبيون في أفريقيا في القرن الـ18، بغرض السياحة ومراقبة الحيوانات البرية والاستمتاع بالبراري الأفريقية، وعادة ما كانوا يعتمدوا على الأفارقة المحليين في هذه الرحلات، وفي بداية القرن العشرين، قامت حول فكرة "السفاري" ثقافة فرعية لنوع آخر من السياحة التربوية، وهي ما أطلق عليها "الكشافة"، والتي أسسها اللورد البريطاني "بادن باول" عام 1907، بهدف تنمية الشباب بدنيا وثقافيا.

وفي مصر، انتشر ذلك النوع من الرحلات في عدة مناطق أبرزها "سيناء"، خاصة مدينة دهب التي تقع على خليج العقبة، والتي تبعد عن مدينة شرم الشيخ بحوالي 100 كيلومتر، وتبعد عن مدينة نويبع بحوالي 87 كيلومتر، تلك المدينة التي اشتهرت بلون رمالها الذهبي، حتى طغى عليها فحصلت على ذلك الإسم "دهب"، كما تشتهر بشواطئها البكر الصافية، ومواقع الغطس الغنية بالشعاب المرجانية.

 

وقد اشتهرت مدينة دهب بالسفاري لما تتمتع به من طبيعة وتاريخ عريق، فهي عبارة عن ميناء بحري على خليج العقبة، كان مجرد مخزن للبضائع تستخدمه القبائل البدوية التي تُعرف بـ"عرب الأنباط" منذ القرن الثاني قبل الميلاد وحتى عام 106 ميلادية، وفي تسعينيات القرن الماضي بدأت في الإزدهار، واليوم أضحت قبلة لهواة رياضة القفز بالمظلات، وتسلق الجبال، ورحلات السفاري، وكل من يرغب في الاستمتاع بالطبيعة الجبلية والصحراوية، ويفضلون الاسترخاء والاستجمام بعيدا عن الأماكن السياحية الصاخبة، للاستمتاع بالشواطئ الرملية الزاخرة بالخيم البدوية الفريدة، بالإضافة إلى وجود أماكن عديدة لممارسة رياضيات الصحراء وركوب الجمال ورحلات السفاري والغوص.

كما تزخر سيناء بسلاسل جبلية مختلفة الألوان والأشكال تتخللها عدد من الواحات والمواقع الأثرية والدينية، والطريقة الوحيدة لإكتشافها رحلات البراري، سواء بسيارات الدفع الرباعي أو بالجمال، وعادة ما تتنوع المسارات فبعضها يتجه إلى السلاسل الجبلية مثل جبل سانت كاترين، وجبل موسى، والعين السخنة، وغالبا ما يقصد ذلك المسار عشاق السفاري الجبلية، الذين يرغبون في مراقبة الحيوانات الصحراوية، والطيور المهاجرة، في حين يتجه البعض الآخر إلى الوديان والعيون وأشهرها عين القديرات في منطقة القسيمة، وعيون أم أحمد وفرطاقة وواحة فيران، والوادي الملون الذي يعتبر أحد عجائب الطبيعة في سيناء، وهو عبارة عن متاهة من الصخور الرملية بالألوان الأصفر والأرجواني والأحمر والذهبي ويصل ارتفاعها في بعض الأماكن إلى 40 متر.

 

أما عشاق الصيد البري، فعادة ما يتخذون مسارات العريش والشيخ زويد ورفح في شمال سيناء، أو في المحميات الطبيعية التي توجد بجنوب سيناء، والتي تمثل البيئة المثالية لسياحة السفاري، أشهرها محمية "رأس محمد" التي تقع عند التقاء خليج السويس بخليج العقبة، وتتميز شواطئها بالشعاب المرجانية والسلاحف البحرية المهددة بالإنقراض والأحياء المائية النادرة، تلك المحمية موطنا للعديد من الطيور والحيوانات النادرة ومنها الوعل النوبي بالمناطق الجبلية وأنواع عديدة من الزواحف والحشرات.

 

كما تقام في المناطق الشمالية والجنوبية من سيناء مهرجانات سنوية لسباقات الهجن، وهي رياضة بدوية لسباق الجمال، وعادة ما تشهد إقبالا كبيرا من السياح التي تشتهي الكرنفالات الفولكلورية للعادات والتقاليد البدوية، كما يقام بشكل منتظم سباقات السيارات والدراجات في ممرات سيناء.

أما البحر الأحمر، فعادة ما يتوجه إلي سلاسلها المعقدة محبي تسلق الجبال، بينما ممارسي رياضة ركوب الخيل والجمال فغالبا ما ينصبوا خيامهم في وديانها، كما توجد العديد من الدروب والمدقات التي تساعد على ممارسة سباق السيارات والدراجات البخارية، وهناك يجتمع السياح بأهالي الواحات في حفلات سمر وعشاء مشوي بالطريقة البدوية البسيطة.

 

كما تعتبر واحة سيوة التي تقع على بعد 300 كيلومتر من مدينة مرسى مطروح، من المناطق الغنية بالمقومات السياحية التي تجعلها مقصدا لسياحة السفاري، خاصة وأنها صُنفت ضمن أكثر 9 مواقع عُزلة على كوكب الأرض، فيتوجه إليها محبي التخييم، وراغبي السياحة العلاجية.

 

ورغم أن الوادي الجديد اشتهر هو الأخر بسياحة السفاري، إلا إنها تعد إلى جانب ذلك متحفا مفتوحا لدراسة البيئات الصحراوية والظواهر الجغرافية والحفريات والحياة البرية، كما تحتوي على نقوش ومومياوات ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ، بالإضافة إلى مجموعة من المقابر والكهوف النادرة، كما تتميز بالتكوينات الجيولوجية لصخور الأحجار الجيرية الطباشيرية بأشكالها الفريدة التي تنتشر بطول الصحراء البيضاء، وعادة ما يفضل زائروها التخييم فيها، فلا يوجد مكان آخر يظهر كل هذا الكم من النجوم التي ترصع السماء، كما يظهر في سماءها درب التبانة واضحا جليا فوق الصخور.

وفي عمق الصحراء الغربية الجنوبية تنتشر سياحة السفاري في منطقة الجلف الكبير، والتي تبلغ مساحتها 7770 كيلومتر، وتتكون من الحجر الرملي والحجر الجيري، أطلق عليها هذا الإسم البرنس كمال الدين، إبن السلطان حسين عام 1926 عندما اعترض طريق قافلته، ذلك الجلف يرتفع عن الصحراء المحيطة به بحوالي 300 متر، يتخلله عدة أودية منها وادي طلح ووادي عبد المالك ووادي حمرا، وتتمتع بطبيعة فريدة ذات أهمية دولية متميزة وضعتها على خريطة السياحة البيئية الدولية.

 

في الجنوب "درب الأربعين"، والذي كان طريقا للتجارة بين مصر والسودان، ينتشر على جانبيه حفريات حيوانات القوافل القديمة التي نفقت من الحر والعطش، وعادة ما تتركز رحلات السفاري في عدد من المناطق، أهمها منطقة العوينات الحدودية بين مصر وليبيا والسودان، ومنطقة "السيليكا" الزجاجية، ذات الصخور الخضراء البلورية، والتي استخرج منها المادة الخضراء التي تزين قلادة "توت عنخ آمون"، ما يدل على أن الفراعنة وصلوا إلى المنطقة قبل 3 آلاف سنة، بالإضافة إلى وادي "صورة" ووادي "حمرة" وكهف "المستكاوي" الذي يحتوي على أكثر من ألفي صورة من النقوش ورسوم الإنسان الأول، والذي استوطن المكان منذ 10 آلاف سنة.

 

الفوهات البركانية القديمة والصخور النارية وتكوينات الكوارتز التي تزخر بها المنطقة تجذب هواة السفاري من الأجانب أو العرب، خاصة بحر الرمال والجلف الكبير، فهم يجدون متعة في تسلق الكثبان الرملية التي ابتلعت جيشي قمبيز والإسكندر الأكبر، كما تجذبهم الكهوف الجبلية التي تعود لـ10 آلاف سنة مضت.

 

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية