50 مليون نوع لم يُكتشف منها سوي 20% فقط

الحشرات.. ممالك هزمت الانقراض 435 مليون سنة (الجزء الثاني)

بما أن عالم الحشرات بتلك الضخامة التي ذكرناها في الجزء الأول، ويؤثر بهذا الشكل، بل ويتأثر بالإنسان، يقدم خدماته وبترك أضرارة، كان لابد من تخصيص علم لدراسة تلك الكائنات الدقيقة، فخرج الي النور علم الحشرات، أو "Entomology"، بدأ ذلك العلم في الظهور علي يد عالم النباتات السويدي "كارولوس لينيوس" منذ خمسينيات القرن الثامن عشر، والذي إبتكر نظاماً مفيداً لتصنيف النباتات والحيوانات، بل وقام بتسميتها، ويقوم ذلك العلم بدراسة كل ما يتعلق بعوالم الحشرات المختلفة، من فصائل وعائلات وبيئات وطبيعة غذاء وفوائدها وأضرارها.

 

في مصر أغلب علماء الحشرات يقومون بدراسة كل ما هو اقتصادي لتلك الكائنات الضئيلة، فيقومون بدراسة تأثيرها علي الانتاج بكل اشكالة، فيدرسون الآفات الحشرية التي تسبب فساد المحاصيل وأشجار الزينة، والمنتجات المخزونة، والأبنية، أو فساد كل شيء يتصل بصحة الإنسان والحيوان، أما علماء الحشرات الزراعية فيدرسون الآفات الحشرية للطعام والنسيج، في حين يدرس علماء حشرات الغابة آفات الأخشاب.

يقتصر دور علماء الحشرات الطبية، خاصة في المجال البيطري، علي تقليل خطر تلك الحشرات التي تسبب المرض للإنسان والحيوان، حيث قاموا بتخفيض أعداد الآفات الحشرية بعدد من الوسائل، أهمها تجفيف المستنقعات التي يتكاثر عليها البعوض وبعض الذباب، واستعمال المبيدات الحشرية والمنفِّرات، والاستعانة بالحيوانات التي تتغذى علي الآفات الحشرية نفسها، مثل حشرة السرعوف والدعسوقة التي تتغذي علي الآفات الحشرية، لذلك يسعي علماء الحشرات إلى حمايتها وزيادة أعدادها.

 

كما قلنا فأن الكثير من أنواع الحشرات يعتبر نافعاً أكثر منه ضاراً، وطبقاً لعلماء الحشرات هناك عشرة أنواع من تلك الحشرات، فعلي سبيل المثال هناك دودة حرير القز، والتي تنتج الحرير الطبيعي، ونحل العسل، والذي ينتج العسل وشمع النحل والغذاء الملكي، والحشرة القشرية، التي تفرز مادة الشيلاك وتدخل في صناعة البويات والورنيش، وبعض الحشرات الطفيلية، والتي تتطفل داخلياً أو خارجياً على بعض الحشرات الضارة وتساعد الإنسان في التخلص منها، وبعض أنواع الحشرات التي تتغذى على الحشائش الضارة وتنقذ المحاصيل الزراعية.

 

  • الصينيون استأنسوا دودة القز منذ 2000 سنة.. وأغلب علماء الحشرات في مصر لا يهتمون إلا بأهميتها الإقتصادية.

 

هناك أيضاً الحشرات الرمية، والتي تتغذى على المواد العضوية التالفة، سواء كانت نباتية أو حيوانية، وبذلك تنقذ الحياة على الأرض، كما تسبب بعض الحشرات أوراماً للنباتات، وتستخرج من هذه الأورام مواد ذات أهمية طبية وبعض الأحبار، وأيضاً تلعب بعض الحشرات دوراً في نقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى أثناء زيارتها للتغذية على رحيقها، كما تلعب دوراً أخر في بناء التربة الزراعية وتقليبها وتهويتها بما تصنعه فيها من أنفاق، وتساهم في الكشف عن الكثير من أسرار الحياة، مثل ذبابة الخل في تطور علم الوراثة ، وتستخدم في اختبار مجال قياس السمية.

في الآونة الأخيرة يميل بعض العلماء إلى اعتبار كافة أنواع الحشرات نافعة للإنسان والبيئة، ولا يجوز القضاء على أي منها , وان كان ذلك لا يمكن تطبيقه, خاصة عندما تتواجد بعض الحشرات المزعجة داخل المنزل مثل البق او الصراصير او النمل وغيرها، وفيما يلي بعض اشهر أنواع الحشرات النافعة.

 

أولاً: دودة القز

 

كانت في الماضي اهم حشرة علي كوكب الارض لإنتاجها معظم الحرير المستعمل في الأسواق، اما اليوم فقد تراجع انتاج الحرير الطبيعي بعد ظهور الحرير الصناعي, ولكنها ما زالت حشرة ذات أهمية عالية، خاصة في جنوب شرق اسيا التي ما زالت المصدر الأساسي للحرير الطبيعي، عرف الصينيون تربيتها المستأنسة منذ 2000 سنة وتستهلك اليرقة الواحدة منذ خروجها من البيضة حتي تحولها الي عذراء حوالي 90 جرام من ورق التوت، وتنتج الشرنقة الواحدة خيطا حريريا طوله 800 -1200 ياردة، أي حوالي 1000 متر، ووزن يصل إلي 2 جرام، ما يعني ان 650 شرنقة يمكن أن تنتج أكثر من كيلو واحد من الحرير الخام.

 

  • يعيش علي الأرض 20 ألف نوع من النحل.. تقوم النحلة بـ80 ألف رحلة لإنتاج رطل من العسل.

 

يُعد انتاج الحرير صناعة هامة ورئيسية في كثير من الدول، علي رأسها اليابان والصين وايطاليا وفرنسا واسبانيا، وتنتج هذه الدول حوالي من 50 الي 70 مليون رطل من الحرير الخام سنويا، قيمتها نحو 250 مليون جنيه مصري، كما توجد انواع اخرى من ديدان الحرير المستأنسة غير دودة القز، ومن نفس الجنس, ففي أسيا علي سبيل المثال حوالي 30 نوعا من تلك الديدان المنتجة للحرير ولكنها غير مستأنسة، أهمها يستوطن الصين والهند واليابان.

ثانياً: نحل العسل

 

اكثر الحشرات النافعة شهرة، ويوجد اكثر من 20 الف نوع من النحل على وجه الأرض، موزعة على قارات العالم كلها، باستثناء القطب الجنوبي، يعمل النحل على انتاج العسل، وهو من افضل الأغذية لأي مجتمع، كما يعمل على تلقيح الزهور، ما يساهم في انتاج ثمار الفواكه، وتدخل بعض منتجاته في انتاج الكثير من الادوية والعلاجات، وحتى السم الذي ينتج عن لسعاته يمكن ان يكون مفيدا لعلاج بعض الامراض.

 

تجمع شغالة نحل العسل رحيق الأزهار لتصنع منه العسل، لذلك نراها تقوم بحوالي من 40 الي 80 ألف رحلة، تزور خلالها أزهار كثيرة كي تجمع رحيقا يكفي لصنع رطل واحد فقط من العسل، علما بأن الرحلة الواحدة قد تصل إلي حوالي 3 كيلو مترات، أي ان الشغالة الواحدة يمكنها أن تطير طيلة حياتها مسافة تساوي ضعف محيط الكرة الارضية لصناعة رطل واحد من العسل، وتفرز الشمع من غدد خاصة توجد ببطن الشغالة، وذلك بعد ان تهضم الشغالة كمية من العسل مباشرة، وينتج الرطل الواحد من شمع العسل بعد هضم الشغالات كيمة تتراوح بين 3-20 رطل من العسل في مدة 24 ساعة .

ثالثاً: الحشرة القشرية

 

الحشرات القشرية بعضها ذو منفعه، وعلي رأسها حشرة "كيريكا لاكا"، موطنها الأصلي أشجار الهند وبورما في أسيا، منتجة لمادة "الشيلاك" التي تفرزها فوق جسمها للحماية، تلك المادة تستعمل في صناعة البويات والورنيش والاخشاب وتلميع المعادن وصناعة القبعات، وعمل الشمع الاحمر وبعض الاحبار والمواد العازلة، والاسطوانات واللينوليم الذي يستعمل في تغطية ارضية الحجرات والزراير واليشاني ولعب الاطفال والنماذج الصناعية للزهور والفاكهة والخضراوات، ومن أجل جمع جرام واحد من مادة الشيلاك، نحتاج الي حوالي 300 الف حشرة "كيريكا لاكا"، علماً بأنه يتم انتاج ما يقرب من 40 مليون كيلوجرام سنويا من تلك المادة.

 

  • الحشرة القشرية والبق تدخل في صناعة مستحضرات التجميل.. ودماء الخنفساء في علاج أمراض الأجهزة البولية والتناسلية.

 

جدير بالذكر أن العالم عرف ماة الشيلاك واستعمالاتها منذ عام 1590 ميلادية، وقام باستخدامها في صناعة المستحضرات الصيدلانية من أجل التلبيس المعوي للمضغوطات والحبوبbeads ، يستخدم بشكل محلول جولي 35% من أجل التلبيس، كما يستخدم كمحلول جولي 40% في التلبيس الواقي لنوى المضغوطات بطبقتين، أو طبقة واحدة، بغية حمايتها من الرطوبة، قبل إجراء تلبيسها السكري أو بفيلم، ويستخدم أيضاً في بعض الأحيان في المنتجات الغذائية ومستحضرات التجميل.

 

رابعاً: حشرات التجميل

 

قد لا يعلم الكثيرين أن أغلب مستحضرات التجميل التي تستخدمها النساء تُستخرج من بعض الحشرات، فعلي سبيل المثال الحشرة القشرية يستخرج منها اللون الأحمر، والذي يُستخدم في صناعة أحمر الشفاه، وطلاء الأظافر، ورغم انها من الحشرات الضارة، لكنها ليست مضرة في مجال صناعة مواد التجميل، هناك أيضاً حشرة البق الدقيقي، حمراء اللون، والتي تعيش بكثرة علي أشجار الكمثري البرية في هندوراس وجزر الكناري والمكسيك وبيرو وأسبانيا والجزائر، يتم تجفيف جسدها، ثم طحنها، لتدخل بعد ذلك في صناعة مستحضرات التجميل، كما تستخدم في علاج السعال الديكي، وبعض الأمراض العصبية، ويحتاج انتاج الكيلو جرام الواحد من مسحوق اجسام تلك الحشرات إلي نحو 150 ألف حشرة.

خامساً: الحشرات الطبية

 

لا جدال أن بعض الحشرات لديه قيمة طبيه، وطيلة حياة الإنسان علي سطح الكرة الارضية وهو يستعين ببعضها في علاج بعض الأمراض، فعلي سبيل المثال نحلة العسل، وبعض الخنافس، وأنواع من الذباب ويرقاتها، فقد أمكن شفاء بعض الجروح عندما وضع الأطباء بعض يرقات الذباب المعقمة، كذلك امكن عزل مادة معينة لها خاصية شفاء الجروح من افرازات يرقات الذباب، وتلك المادة تحضر صناعيا ومتداولة بالأسواق، وإذا وضع محلولها العديم الرائحة واللون والطعم، والذي لا يسبب أية آلام علي الإطلاق علي الحرق والجروح فإنه يعمل علي شفائها.

 

ويحتوي الدم والأجهزة الداخلية للخنفساء علي مادة الكنتارادين، والتي تستعمل اليوم في علاج بعض أمراض الأجهزة البولية والتناسلية، وتوجد هذه الحشرة بكثرة في كل من أسبانيا وفرنسا، وخلال القرن التاسع عشر كانت أجسام نحلة العسل تنقع في كحول الإيثايل لمدة شهر تقريبا، مع حفظها في مكان دافئ، وكان المنقوع الناتج يستخدم في علاج بعض الأمراض، مثل الدفتريا والحمي القرمزية والتهابات المثانة وجروح البشرة، وحديثا استعمل الغذاء الملكي لنحل العسل كمصدر للفيتامينات في بعض مراهم التجميل، وفي علاج كثير من أمراض الشيخوخة وفقر الدم.

سادساً: الأورام النباتية

 

عرف الإنسان الأورام النباتية وفائدتها منذ أكثر من 25 قرناً مضت، ففي القرن الخامس قبل الميلادي إكتشف أن الأورام الموجودة علي أشجار الجوز، والتي تنمو في شرق أوروبا وغرب أسيا، تحتوي علي مواد تستخدم كمقويات وكمضادات لبعض السموم، أو كمواد لصباغة الشعر والصوف والبشرة كما تستخدم مستخلصات أوراق أشجار الجوز بكثرة في الوقت الحاضر في صباغة الجلود.

 

وهناك أورام نباتية أخري تستخدمها نساء الصومال للتجميل، كما يستخدم الأتراك في الصباغة مواد قرمزية اللون، ناتجة عن أورام نباتية حمراء اللون موجودة علي أشجار البلوط، ويوجد حمض التنيك بكثرة في كثير من الأورام النباتية.

الدكتور إسلام فتحي سعد

ماجستير العلوم في الحشرات الطبية

كلية العلوم – جامعة الأزهر

EMAIL:dar_el7elm@hotmail.com

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية