د. زاهي حواس والمومياوات!

عالم الآثار العالمي الدكتور زاهي حواس متعدد الاهتمامات في المصريات، ومن بينها، ولعه الكبير بالمومياوات الفرعونية، ولا أنسى عملي تحت إشرافه في اكتشاف "وادي المومياوات الذهبية" في الواحات البحرية، والذي حوَّل الواحات البحرية إلى قبلة السياحة والإعلام في العالم كله، منذ هذا الاكتشاف الذي يعتبر من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، وكان العمل في هذه الحفائر بقيادة الدكتور حواس متعة ليس لها مثيل، وأضاف لي الكثير من العلم والخبرة، ولا أنسى كيف كانت توجيهات الدكتور حواس، الإنسان قبل العالم الكبير والمدير الناجح، تضيف لي الكثير من كل شيء، وبعد أن سافرت لأمريكا للحصول على الدكتوراه في المصريات، بدأ الدكتور حواس كشف أسرار مومياوات الفراعنة.

 

وقد نشر الدكتور حواس في كتابه الجديد "مسح الفراعنة: التصوير المقطعي لمومياوات الدولة الحديثة الملكية"، وبالمشاركة مع الدكتورة سحر سليم، عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، نتائج فحص المومياوات الملكية في الدولة الحديثة، ويعد هذا الكتاب فتحًا جديدًا في مجال علم المصريات والمومياوات الملكية وتاريخ الدولة الحديثة وحياة ملوك وملكات العصر.

 

ومن بين الحقائق العلمية في الكتاب نهاية حتشبسوت، ولفترة قريبة لم نكن نعرف كيف انتهت حياتها، ولماذا تم محو صورها وأسمائها من على آثارها حتى جاءت الأبحاث العلمية الحديثة التي قام بها الدكتور حواس على مومياء حتشبسوت، فمن خلال دراسة ضرس في صندوق أحشاء الملكة في خبيئة المومياوات في الدير البحري، وكل أسنان المومياوات وفحصها بالأشعة، اتضح وجود جزء في أعلى فك المومياء التي تم نقلها للمقبرة رقم 60 بوادي الملوك من مقبرة الملكة رقم 20 بوادي الملوك، وأن هذا الضرس كان يخص هذه المومياء.

وقد تأكد للدكتور حواس أن هذه المومياء الموجودة في المقبرة رقم 60 هي مومياء الملكة حتشبسوت وأثبتت الأشعة المقطعية أن الملكة حتشبسوت ماتت في سن 55 عامًا، وأنها كانت ممتلئة الجسم، وأنها كانت تعانى من مرض السكر، ولكنها ماتت بسبب السرطان، وقد اتضح أن كهنة الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين قاموا بنقل محتويات مقبرة حتشبسوت رقم 20 إلى المقبرة رقم 60 الخاصة بمرضعة حتشبسوت.

 

وأثبتت الدراسات الحديثة التي قام بإجرائها الدكتور حواس على مومياء الملك رمسيس الثالث، والمومياء غير المعروفة في المتحف المصري في ميدان التحرير، أنه تم قتل الملك بقطع رقبته من الخلف بسكين حاد، وأثبتت نفس الدراسات الحديثة أن "مومياء الرجل غير المعروف إي"، أو "المومياء الصارخة"، أو "مومياء الرجل الصارخ"، كانت لابن الملك بنتاورت، الذى أُجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته، فقد تم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودفن جسده في جلد الغنم الذي كان يعتبر غير طاهر في مصر القديمة، وبناءً على ذلك سيذهب إلى الحجيم في الآخرة.

 

وتؤكد هذه الأحداث صدق الأساليب البلاغية التي تم استخدامها في نص المؤامرة الأدبي حين أشار إلى أن القارب الملكي قد انقلب، مما يرمز إلى وفاة رمسيس الثالث وصعود روحه إلى السماء، غير أن المؤكد أن المؤامرة قد فشلت بدليل تولى خليفته الطبيعي وولى العهد رمسيس، الملك رمسيس الرابع لاحقًا، عرش البلاد بدلاً من أخيه بنتاورت المتآمر.

 

إنه كتاب عظيم ومرجع لا غنى عنه لكل المختصين والمتهمين بالملوك الفراعنة، فتحية للدكتور زاهي حواس، والدكتورة سحر سليم وفريق العمل على هذه النتائج المذهلة التي غيرت الكثير من معلوماتنا عن ملوك وملكات الدولة الحديثة.

د. حسين عبد البصير: مدير متحف الآثار- مكتبة الإسكندرية

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية



إقراء ايضا