المرأة تخطب والرجل يشتري كل شيء

"الزواج والطلاق في مصر القديمة".. 20 شاهدًا يوقعون علي وثيقتي الإرتباط والإنفصال

كانت مصر الفرعونية رائدة في الكثير من مظاهر الحضارة خصوصًا الأمور الاجتماعية، وكان الزواج والطلاق فى مصر الفرعونية من الأمور الشخصية البحتة، والتي تخص أفراد المجتمع، ولم يكن للدين دور في مصر الفرعونية فى هذا الأمر، وكان أمر الزواج والطلاق أمرًا مدنيًا بحتًا يخص المتعاملين به.

 

وفي البداية، كان الزواج يتم بموافقة الطرفين، ودون وجود لشهود أو لعقد، وبعد ذلك أصبح الزواج موثقًا، وكانت تتم كتابة عقود الزواج في وجود شهود على العقد، وكان على الزوج تجهيز المنزل الخاص به، وشراء المتاع والأثاث والهدايا من أجل زوجته، وبعد الزواج كان عليه أن يعطي زوجته جزءًا من ممتلكاته، وإذا حدثت أية مشاكل بين الزوجين، فللزوجة حق الاحتفاظ بكل ما قد جلبته من تجهيزات من بيت والدها.

وكانت عقود الزواج في مصر الفرعونية في مصلحة المرأة، وتضمن لها كل الحقوق، وكانت المرأة تبدأ بخطبة الرجل، وعرض الزواج عليه، وهناك برديات تدل علي أن الزواج من واحدة كان معروفًا منذ فترة مبكرة، ويقول الحكيم بتاح حتب: "أحب شريكة حياتك، اعتن بها.. ترعى بيتك، أطعمها كما ينبغي، اكس ظهرها وعانقها، أفتح لها ذراعيك، وادعوها لإظهار حبك لها.. واشرح صدرها وادخل السعادة إلى قلبها بطول حياتها، فهي حقل طيب لسيدها وإياك أن تقسو عليها، فإن القسوة خراب للبيت الذي أسسته، فهو بيت حياتك لقد اخترتها أمام الإله"، ويقول الحكيم آني: "لا تكن رئيسًا متحكمًا لزوجتك في منزلها، إذا كنت تعرف أنها ممتازة تؤدى واجبها في منزل الزوجية، فهي سعيدة وأنت تشد أزرها، ويدك مع يدها (...) أنت تعرف قيمة زوجتك، وسعادتكما حين تكون يدك بجوارها".

 

وكان للمرأة بموجب قانون الملكية في مصر القديمة، بعض من ممتلكات زوجها بعد الزواج، وكان لديها الحق في التصرف في الممتلكات التي آلت إليها بعد الزواج مثل المهر، أما في حالة وقوع الطلاق، فكانت ممتلكاتها تعود إليها، بالإضافة إلي التسوية التي كانت تتم بعد الطلاق، أما في حالة الوفاة، فكان لديها الحق في ميراث زوجها بنسبة الثلثين، فيما كان يُقسم الثلث بين الأطفال وإخوة وإخوات الشخص المتوفى، وفي بعض الحالات، كان الزوج ينص في وصيته علي إمكانية تمكين زوجته من الجزء الأكبر من نصيبه أو السماح لها بالتصرف في جميع الأموال، وكان الزنا ممنوعًا، وكانت المرأة تعاقب عليه بالموت، وبالمثل، فإن الخيانة من الزوجين كانت أيضًا ممنوعة.

كان الطلاق مسموحًا في مصر الفرعونية لعدة أسباب، من بينها الكراهية أو إذا ارتكب أحد الزوجين خطيئة الزنا، وإذا لم يكن الزوج قادرًا على الإنجاب، فمن حق الزوجة طلب الطلاق مع طلب تعويض لها، ووضعت الحضارة المصرية القديمة التشريعات التي تنظم حقوق وواجبات المرأة في حالة الطلاق، وما يترتب عليه من حقوق اقتصادية للمرأة، أو تعويض مادي مناسب، وللحد من الطلاق تم فرض شروط كثيرة للطلاق.

 

ولم يكتفِ الزوج في مصر الفرعونية بتطليق زوجته شفاهة بقوله لقد هجرتك بصفتك زوجتي، بل كان يسلمها وثيقة طلاق مكتوبة تؤكد حريتها وانتهاء العلاقة الزوجية بينهما، وتمكنها من الزواج بآخر إذا أرادت، وكان الشهود يوقعون على وثيقة الطلاق، كما كان يتم التوقيع على وثيقة الزواج، غير أنهم كانوا في وثيقة الطلاق أربعة شهود، بينما في عقد الزواج كانوا ستة عشر شاهدًا‏، وكانت صيغة الطلاق كالآتي:  "لقد هجرتك كزوجة لي، وإنني أفارقك، وليس لي مطلب على الإطلاق، كما أبلغك أنه يحل لكِ أن تتخذي لنفسك زوجًا آخر متى شئتِ".

ولضمان حقوق المرأة في حالة الطلاق، كانت عقود الزواج تنص على تعويض مادي مناسب للمرأة، وفي إحدى البرديات المحفوظة عقد زواج من القرن الثاني قبل الميلاد، بين كاهن وزوجته يتعهد فيه الزوج بدفع تعويض كبير في غضون ثلاثين يومًا في حالة الطلاق، وكانت الزوجة تأخذ تعويضًا مناسبًا من المال عند طلاقها فضلاً عن المهر.

 

وبدأ التعويض في العصر الفرعوني بضعف قيمة المهر، وفي العصر البطلمي خمسة أضعاف، ويصل إلى عشرة أضعاف في الحد الأقصى، وكان هذا التعويض كبيرًا لجعل الطلاق صعبًا، وهناك بردية ديموطيقية، تذكر أن المرأة تحصل على تعويض في حال فشل زواجها بمقدار ثلاثين قطعة فضة، وستة وثلاثين جوالاً من الحبوب، وذلك كل عام طوال حياتها لتوفير احتياجاتها المعيشية، وكان الطلاق يحدث في مصر الفرعونية لأسباب عديدة مثل عدم الإنجاب، ووقوع الخيانة الزوجية، وهجر الزوج لزوجته، أو استحالة العيش معًا، وبالنسبة للقدماء المصريين، كان الأطفال هم الأكثر أهمية في العائلة، ولا توجد مصادر موثقة إلى الآن بحضانة الأطفال.

كان الرجل والمرأة متساوون أمام القانون، وكانت المرأة المتزوجة تتمتع باستقلال قانوني ومالي كامل، وبالزواج، كانت المرأة تحتفظ باسمها مع إضافة كلمة زوجة فلان، والذي كان أمرًا طبيعيًا؛ لأن الزواج لا يسجل كفعل إداري، وببساطة، كان يتم التصديق على واقع أن الرجل والمرأة أرادا التعايش، وهذا في حالة عمل عقد الزواج، الذي لا يحتاج أكثر من تحديد الآثار الاقتصادية كي يتم تمييز انتقال الإرث من شخص لآخر.

 

وكان الزواج والطلاق أحداث متعاقبة فقط داخل نطاق العائلة بإرادة الزوجين دون تدخل من الإدارة، وينطق الأزواج المستقبليون هذه الجمل: "جعلتك زوجتي.. جعلتني زوجتك"، وكان الطلاق مقبولًا. ويجب أن تكون هناك مبادرة من أحد الزوجين، إذا كان من الزوج فيجب أن يترك جزء من الموؤن لزوجته، ولو كانت الزوجة هي المبادرة في هذا الأمر، فيجب عليها نفس الالتزام، ولكن بطريقة أقل، وهناك إمكانية الطعن أمام الإدارة لاستعادة موؤن المنزل علي الرغم من أنه لم يتم التدخل في الزواج، ويمكن معاودة التجربة والزواج مرة أخرى، كما هو موضح في بعض البرديات.

 

كانت أمور الزواج والطلاق في مصر الفرعونية، من الأمور المتقدمة بالنسبة لهذا الزمن المبكر من عمر الإنسانية، وتؤكد على عظمة مصر دائمًا وأبدًا، تلك هي فصول من قصة حضارة مصر الفرعونية العريقة.

 

مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية

والمشرف علي مركز الدكتور زاهي حواس للمصريات

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية



إقراء ايضا