إذا كان البعض من المتخصصين قد اتفقوا على تعريف الحضارة، إلا أنها نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، حيث تتألف من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون

الشيخ أحمد البهى يكتب: هل يستعيد المسلمون حضارتهم؟

إذا كان البعض من المتخصصين قد اتفقوا على تعريف الحضارة، إلا أنها نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، حيث تتألف من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون، فإننا نجد أن الإسلام قد قام بتشكيل حضارة هي من أهم الحضارات الموجودة في العالم، باعتراف أستاذ العلوم السياسية صامويل هنتنجتون، والذي قام بتقسيم حضارات العالم الحالية إلى 9 حضارات أساسية من بينها الحضارة الإسلامية.

 

والحقيقة التي يجب أن ندركها أن الحضارة الإسلامية لم تكن مجرد جوانب دينية تعبُّدية، ولكنها غطت جوانب هامة في حياة الإنسان، كالجوانب الاقتصاد والسياسة والتشريعية والقضائية.. إلخ، ما يؤكد وجود مشتركات بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى، السابقة واللاحقة عليها، بل إننا نقول باستفادة الحضارة الإسلامية من الحضارات الأخرى، وفتَّحت العقول، ما جعل تلك الحضارة تمتدُ عبر أماكن متعددة الميول والاتجاهات، من المحيط إلى الخليج، بل إلي العالمين القديم والحديث.

 

الحضارة الإسلامية منبعثة من عقيدة الإسلام لتحقيق الغاية العظمى، وهي إعمار الكون بما يرضي الله رب العالمين، فهي حضارة ربانية، لها قائد، علَّم أتباعه ضرورة تحويل هذه الحضارة من الإطار النظري إلى الإطار العملي، هذا القائد هو خاتم الأنبياء، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء قول الله تعالى في سورة الإسراء }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا{، فبيَّن أن الإنسان مكرمُ عند الله عز وجل مهما كان دينه ومهما كانت جنسيته ومهما كان لونه، ثم جاء قول الله تعالى }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{، ليبين أن التعددية في الحضارات والثقافات هي الأصل والقاعدة، بل إن الإسلام يجعل منها القانون الإلهي في ميادين الاجتماع الإنساني وشئون العمران البشري.

 

تلك القواعد القرآنية التي كانت أساس قيام حضارة الإسلام، أكدتها أقوال وتعاملات رسول الإسلام، فهو الذي قال في خطبة الوداع بمكة المكرمة: "أيُّها النَّاسُ، إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليْكُم حرامٌ، إلى أن تلقَوا ربَّكم كحُرمةِ يومِكم هذا، وَكحُرمةِ شَهرِكم هذا، وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم وقد بلَّغتُ، فمن كانت عندَهُ أمانةٌ فليؤدِّها إلى منِ ائتمنَهُ عليْها".

 

انطلاقاً من كل ما سبق، نستطيع القول إن الحضارة الإسلامية تميزت بأشياء عدة أهمها، أنها حضارة إيمانية جاء أساسها من الله رب العالمين، حضارة إنسانية، تؤمن بحقوق الآخرين من غير أتباعها، فلا تقتصر على جنسية معينة أو منطقة جغرافية محددة، حضارة متوازنة، حافظت على توازن الجانبين، المادي والروحي، لما آمن المسلمون بهذه المبادئ، وعملوا بها، انتشرت حضارتهم في الآفاق، وكانت لهم الريادة، وكانت بلادهم عبارة عن بقعة ضوء وسط الظلمات.

 

وفي النهاية، لا يمكننا الحكم على الحضارة الإسلامية حسب الوضع الحالي لبلاد الإسلام، حيث إن غالبية المسلمين حالياً أبعد ما يكونوا عن روح وتعاليم الدين الإسلامي، والذي قام بتشكيل هذه الحضارة العالمية، فعلى مدار التاريخ، قامت حضارات وسقطت حضارات بفعل عوامل كثيرة ومتعددة، وإذا كان الله عز وجل قد حفظ هذا الدين بكتابه وحضارته وعموم أفراده، فإن الامتحان الحقيقي للمسلمين في هذا التوقيت أن يكونوا قادرين على النهوض بحضارتهم من جديد، ونشر مبادئها الراقية غير المسبوقة بين الناس، حتى تُمحى هذه الصورة السلبية المأخوذة عن الإسلام والمسلمين، فهل يا تُرى يفعل المسلمون ذلك؟!

 

*أحمد البهي داعية بوزارة الأوقاف

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية



إقراء ايضا