يزين صحراء مصر المحروسة

"الغزال المصرى".. مُلهم الشعراء.. مهدد بالانقراض

"بروحيَ من نصّ الغزال لها الوَلا.. وأقسم ما لي غير جفنك وارث.. وعدّ البرايا حسنها فهو أوَّلٌ.. وشمس الضحى والبدر ثانٍ وثالث".. منذ ستة قرون مضت صاغ شاعرنا المصري وأديبنا الكبير، ابن نباتة المصري، هذه الأبيات، ففي القرن الرابع عشر من الميلاد، خرجت تلك الأبيات، لتصف ذلك الجمال الذي يزين صحراء مصر المحروسة.

 

"الغزال المصري".. ذلك الكائن الجميل الذي كان يوماً يُزين صحراءنا الغربية والشرقية، حتي سيناء وجبالها الوعرة، كانت لا تخلو منه، لرشاقته ورقة إطلالته تغزل فيه شعراء العرب قروناً طويلة، وصفوا جماله ورشاقته ونعومته، اليوم أصبح مهددا بالاختفاء من حياتنا، ومعرضا للانقراض، بعد أن تناقصت أعداده بشكل كبير، فيوما بعد يوم، يواجه رصاص غدر الصيد الجائر بصدور عارية.

من لا يعرف "الغزال المصري" لا يفهم طبيعته، فرغم ما أُشيع عنه من جمال ورقة، إلا أنه أثبت طيلة قرون وقرون، أنه أكثر احتمالاً لقسوة الصحاري الحارقة، وأرضه القاحلة، الجافة، يمكنه أن يتنازل عن المياه أياما طويلة، ولكنه في الوقت نفسه قادر علي تعويض ذلك بالتهام النباتات الصحراوية المُخزنة للمياه.

 

"غزال الرمال.. دوركاس.. الريم".. بعض أسمائه التي اشتهر بها الغزال المصري، أحد أهم الفصائل البقرية، وإن كان أحد أصغر أنواع الغزلان علي الإطلاق، ورغم أنه مُهدد بالانقراض، إلا أنه الأكثر شيوعا وانتشاراً، حيث يعيش في غرب آسيا في الأردن وفلسطين وسوريا، كما يمتد في قارة إفريقيا من غرب الجزائر إلى شرق مصر، حتي شبه جزيرة سيناء، ومحمية جبل علبة وصحراء مصر الشرقية، وأيضاً يعيش في شرق السودان ونيجيريا وإثيوبيا.

 

أهم ما يميز الغزال المصري تدرج لونه من الرملي الفاتح، إلى البني المحمر، بالإضافة إلي صغر حجمه، حيث يُعد أصغر أنواع الغزلان، فيبلغ طوله من80 إلى 110 سم، وارتفاعه من 55 إلى 65 سم، ووزنه ما بين 15 إلى 20 كيلومتر، يعيش حياة أسرية رغم قساوة الحياة البيئية، تراه يتجول هنا وهناك، إما في أزواج، وإما في قطعان تتكون من ذكر بالغ وعدة إناث وبعض الصغار.

 

صُنفت الغزلان المصرية بأنها كائنات ليلية، تتعمد دائما الخروج ليلاً بحثا عن طعامها خشية أخطار النهار المُحتملة، وحين الشعور بالخطر نراه يهز ذيلة بقوة، ثم يقفز رافعا رأسة بشموخ، مُعلنا للجميع أنه شاهد هذا الخطر، وأنه لا يخشاه، ثم فجأة يُطلق ساقيه للريح، في سرعة تتخطي الثمانين كيلو متراً في الساعة.

"الأكاشيا أو الأكاسيا".. أحد أهم مصادر الغذاء للغزال المصري، وهي من الشُجيرات المنتشرة في الأراضي العربية عموما، والصحاري والجبال المصرية علي وجه الخصوص، تقتات علي بُصلاتها وجذورها، وغير ذلك من الأجزاء العصارية، لما فيها من مياه في حالة ندرته، فنباتات الأكاشيا أحد أهم النباتات التي تتحمل جفاف الصحاري، تمتلك جذوراً عميقة، تصل في بعض الأحيان إلي أكثر من 15 متراً، ما مكنها من تخزين المياه في أوراقها لفترات طويلة.

 

كعادة كل جميل علي سطح الأرض، لم يرحم الإنسان الغزال المصري، وراح يطارده هنا وهناك، فالصيد الجائر أحد الأخطار التي تهدده بالانقراض، وطبقاً للإحصاءات الرسمية للاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة، اختفي ما لا يقل عن 95% من الغزال المصري خلال العشر سنوات الأخيرة، والمتبقي يستوطن بعض المناطق، في الصحراء الشرقية، وجبل علبة جنوب البحر الأحمر.

مؤخرا اضطرت الاتفاقية الدولية لحظر الاتجار بالأنواع المهددة، في وضعه بالمرتبة الثالثة بين الأنواع المهددة بالانقراض، ما أدي إلي اهتمام وزارة البيئة المصرية، وقامت بوضع ضوابط صارمة للحفاظ علي الغزال المصري، والذي يشكل ثروة طبيعية، وفرض المُشرع المصري عقوبات قاسية على من يتجاوز تلك القوانين تصل إلى 3 سنوات من الحبس، وغرامة 50 ألف جنيه.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية