كان للعلوم التي وضعها الثلاثي "مارييت وماسبيرو وكارتر"، أثرها في نفوس علماء الأثار في العالم أجمع، ما أدي إلي انتشار هذا العلم داخل القارة الاوروبية، فلم نعد هناك دولة أو جامعة إلا وبها قسم لعلم المصريات أو "الإيجيبتولوجي"، فمن ألمانيا شمالاً، حتي إيطاليا جنوباً، ومن روسيا النمسا شرقاً، حتي انجلترا غرباً، أضحي هناك ولعاً بمصر وحضارتها، واستكمالا لعرض لأهم علماء المصريات في الغرب، نستعرض من جديد بعض من أثري هذا العلم العظيم.
فلندرز بيتري
ولد عالم المصريات الانجليزي "سير وليام ماثيو فلندرز پتري" بمقاطعة "تشارلتون" جنوب شرق لندن عام 1853، رغم انه لم يتلقي أي تعليم مدرسي، إلا انه وفي الثامنة من عمره، تمكن من تلقي علومه الأثرية علي يد والدية في المنزل باللغات الفرنسية واللاتينية واليونانية، اكتسب أهميه كبري حتي أصبح رائداً للمنهج المنظم لعلم الآثار، فقام بالتنقيب عن الآثار في العديد من أهم المواقع الأثرية في أبيدوس والعمارنة، حتي توصل إلي أهم الاكتشافات بتوصله الي "نصب مرنبتاح"، الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني، وما تحويه من انتصارات.
يُعد "فلندرز بيتري" أول علماء المصريات اكتشافا للطرق الهندسية لبناء أهرامات الجيزة، وقام بأول قياسات دقيقة للهرم عام 1880، كما قام بالعديد من الحفائر في هذه المنطقة، واكتشف العديد من المقابر الموجودة بها، إضافة إلى قيامه بعدد من المشروعات البحثية في مجال التنقيب عن الآثار في منطقة "تانيس"، أو "صان الحجر" بمحافظة الشرقية، ومنطقة "تل نيشة" بدلتا النيل، ما أهله للحصول علي لقب "فارس" في عام 1923، لخدماته في علم الآثار وعلم المصريات، خاصة بعد أن ابتكر نظاماً خاصاً للتنقيب عن الآثار الضخمة مازال معمولا به حتي الأن.
وفي عام 1926، تحولت اهتمامات "فلندرز بيتري" بشكل دائم إلى فلسطين، ثم بدأ حفريات في عدة مواقع هامة في المنطقة الجنوب غربية لفلسطين، علي الأخص في "تل العجول" بقطاع غزة، وفي 1933، وبمجرد تقاعده من الأستاذية، انتقل بصفة دائمة إلى القدس، حيث عاش مع زوجته في المدرسة البريطانية لعلم الآثار، ثم عمل مؤقتاً في المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية، يسمى الآن معهد "ألبرايت"، إلي أن توفي ودُفن بمدينة القدس وفق وصيته.
أسوأ ما لوث تاريخ عالم المصريات "فلندرز بيتري" الذي بدأ حياته بدراسة تاريخ مصر ما قبل الأسرات، هو محاولاته الدائمة لتهويد التاريخ المصري، رغم مساهمته الكبيرة في إنشاء متحف بيتري للآثار المصرية في بريطانيا، ففي عام 1913 باع بيتري مجموعته الكبيرة من الآثار المصرية إلى الكلية الجامعية بلندن، ومنها تكون المتحف، وقد حاول كثيرا أن يثبت أن كلمة "يسريار" التي ذُكرت في نصب "مرنبتاح" هي ما جاءت في التوراة باسم "أوسريار" أو "أوسرييل"، أي إسرائيل، لكن محاولاته ذهبت ادراج الرياح حينما تم الكشف عن أن "يسريار" قبائل تقطن جنوب الأردن، غير معروفة المنشأ ولم يدخلوا مصر.
جاردنر ويلكنسون
ولد عالم المصريات الانجليزي "سير جون جاردنر ويلكنسون" بقرية "ليتل ميسندن" بمدينة "باكينجهامشير" عام 1797، رغم انه تربي تربية دينية، باعتباره إبن رجل دين كبير في "ويستمورلاند"، إلا انه ابدي عشقا كبيراً لعلم الآثار، ولظروفه الصحية السيئة اضطر للسفر الي إيطاليا عام 1819، وهناك التقي عالم الآثار الكلاسيكي "السير وليام جيل فرس"، وعلي يديه ازداد لعلم الآثار عشقاً، وفي 1921 قرر الذهاب الي أقدم وأهم البلاد التاريخية لدراسة الآثار، فوصل مصر في أكتوبر من نفس العام، وعمره لم يتخط بعد الرابعة والعشرين.
عاش "جاردنر ويلكنسون" في مصر 12 سنة فقط، استطاع خلالها أن يوثق سلوكيات المصريين القدماء من خلال الرسوم والنقوش والمناظر العامة على جدران مقابر كبار الشخصيات في البر الغربي، ما أهله لأن يلقب بـ"مؤرخ" العادات المصرية، وغالبا ما يشار إليه باسم "أب علم المصريات البريطانية، وترك للمجتمع الإنساني عده مؤلفات عن علوم "الايجيبتولوجي" أهمها علي الإطلاق سلسلة "سلوكيات وعادات المصريين القدماء، الذي نشر في ثلاثة مجلدات عام 1837.
كارل ليبسيوس
ولد عالم المصريات الألماني "كارل ريتشارد ليبسيوس" بمدينة "نومبورغ" بولاية "ساكسونيا" عام 1810، لشغفه الكبير بعلم الآثار، قرر الانتقال عام 1833 الي عاصمة النور الفرنسية "باريس"، ليستمع الي عدد من المحاضرات العلمية للعالم الفرنسي " جان ليترون"، احد أهم تلاميذ "شامبليون"، فعكف علي دراسة دراسات "شامبليون" للغة الهيروغليفية، وتوصل الي أن الحروف المتحركة لم تكن مكتوبة، فأضحي أول من يقرأ هذه الرموز بشكل صحيح، لذلك يعد واضع حجر أثاث "الايجيبتولوجي".
في عام 1842 وبناء علي توصية من وزير التعليم الألماني "يوهان إيتشورن"، أمر الملك "فريدريش فيلهلم الرابع" بسرعة تشكيل بعثة ألمانية علي غرار البعثة النابليونية، إلى مصر والسودان لاستكشاف وتسجيل بقايا الحضارة المصرية القديمة، وقد قام "ليبسيوس" خلال رحلته بتوثيق 67 هرماً، و130 مقبرة لنبلاء فراعين، إضافة إلى فك رموز عدد كبير من الوثائق الهيروغليفية وتلخيصها، وقبل أن يغادر مصر كتب باللغة الهيروغليفية نصا يكرم به "فريدريش فيلهلم الرابع" فوق المدخل الأصلي للهرم، ويمكن رؤيته حتي اليوم.
وصلت بعثة "ليبسيوس" إلى طيبة في الثاني من نوفمبر 1844، حيث أمضوا أربعة أشهر في دراسة الضفة الغربية لنهر النيل، وقامت باستكشاف أهم مواقعها، علي الأخص معبد "الرامسيوم"، ومدينة "هابو"، ووادي الملوك، وغيرها، وفي الضفة الشرقية قامت بالكشف عن معابد الكرنك والأقصر، في محاولة لتسجيل أكبر قدر ممكن، وبعد ذلك توقفوا في مدينة "قفط" بمحافظة قنا، قبل عودتهم إلى أوروبا في عام 1846.
وإضافة إلى الوثائق الفريدة التي خلفها "ليبسيوس" عن رحلته الاستكشافية إلى وادي النيل، قام بتأليف مجلدات ضخمة ومهمة عن هذه الرحلة، تضم ما يقرب من 900 من اللوحات من النقوش المصرية القديمة، فضلا عن التعليقات والأوصاف المصاحبة لها، وقد ظلت هذه الخرائط ورسومات المعابد والجدران والمقابر التي تم رسمها بالقلم الرصاص والحبر الصيني فريدة من نوعها، فهي المصدر الرئيسي للمعلومات طيلة القرن العشرين، وهي مفيدة حتى اليوم لأنها غالبا ما تكون السجل الوحيد للآثار التي تم تدميرها منذ ذلك الحين أو إعادة دفنها.
ولدي عودته إلي برلين عام 1846 عُين أستاذا للعلم المصري في جامعة برلين، تركت بعثته العلمية الاستكشافية في وادي النيل حاملا معه أكثر من 1500 قطعة أثرية شكلت نواة المتحف المصري الذي تم تشييده بناء على اقتراح ليبسيوس نفسه في برلين.
الغرب وحدهم
هناك بالطبع عدد كبير من رواد "الايجيبتولوجي"، فمن الايطالي " نيكولا فرانشيسكو إيبوليتو بالداسار روزيليني" والذي حضر الي مصر في بعثة أثرية إيطالية عام 1828 ونشر مجلدا ضخما بعنوان "أثار من مصر والنوبة"، الي العالم السويسري "إدوارد نافيل"، والذي زار مصر عام 1865، وارتبط بالنصوص الشمسية، وهي النصوص التي كان يتلوها المصريون القدماء لمنحهم الحياة من قبل الإله "رع" إله الشمس عند المصريين، والكيميائي البريطاني "الفريد لوكاس"، مساعد "هوارد كارتر"، والذي قام بالحفاظ علي الأثاث الجنائزي للملك توت عنخ آمون وتحليل المواد المختلفة في القبر، وبفضله وضع اللبنة الأولى لدراسة التحليل الكيميائي للمعادن والأحجار الأثرية، وعالم اللغة القبطية السويسري "رودولف كاسر"، وعالم المصريات الألماني "إميل بروجش"، والمعروف باسم بركش باشا، والذي قدم أول قاموس فى اللغة المصرية القديمة، وهو من سبعة أجزاء، بالإضافة الي قاموس جغرافي أخر عن أسماء المدن المصرية القديمة، والكثير والكثير من الأسماء الغربية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية