أنشأها تجار سوريا ولبنان

«وكالة البلح».. من «سوق الكانتو» عند اليهود إلى «الملاذ الأخير» للمصريين

يقصد المصريون على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وكالة البلح لشراء احتياجاتهم من الملبس والأحذية والشنط وغيرها من لوازم الحياة اليومية.

ومع ارتفاع الأسعار الذي شهدته مصر، أصبحت وكالة البلح ملاذ المصريين الأخير، حيث تمتاز بضائع السوق بأسعار منخفضة مقارنة بباقي أماكن البيع المختلفة.

وكانت وكالة البلح، التي أنشئت أواخر القرن التاسع عشر على أيدى عدد من التجار العرب القادمين من سورية وفلسطين، شهدت رواجا كبيرا في بدايتها، ثم خفت وهجها مع تراجع اقتصاد البلاد في منتصف القرن التاسع عشر حتى امتلك اليهود أغلب أسواقها وأطلق عليها "سوق الكانتو" أي المستعمل باللغة الإيطالية، وبعد رحيل اليهود عن مصر، عادت ملكية الوكالة للمصريين.

 

كانت عدسة «إيجبشيان جيوجرافيك» قررت اقتحام عالم الوكالة ومعايشة ومعايشة الباعة والمشترين على السواء.

في الوكالة الممتدة باتساع شوارع بولاق أبو العلا، وهو أحد الأحياء العريقة بوسط البلد، للوهلة الأولى سيأخذك منظر الزحام للباعة على جانبي الطريق وعلى امتداد عدد من الشوارع الجانبية، فلا فراغ هنا ولا مساحات للعابرين بهدوء، ولا حدود فاصلة بين بضاعة هذا وفرشة ذاك.

ويتزاحم الباعة فيما بينهم لجذب الزبائن، فيما يتزاحم المشترين للحصول على القطع المميزة قبل نفادها.

حسين الذي يقف بالوكالة منذ عام ٢٠٠٦، أكد لنا أن جميع القطع المعروضة بالوكالة يتم إحضارها من بورسعيد وبعضها من الماركات العالمية منها "H&M"، "بريشكا"، وأن الأسعار تكون مرتفعة يومي الجمعة والإثنين لأنهما يومي السوق الذي يقصدها المشترون حيث تتجاوز الأسعار ١٠٠ جنيه، فيما تنخفض الأسعار باقي أيام الأسبوع للانتهاء من بيع البضائع المتبقية، ويعتبر حسين أن عمله بالوكالة لا يؤثر بالسلب على أحد، ولكن الحكومة ممثلة في البلدية تترصدهم وتحاربهم في الرزق، خاصة بعد بناء محلات الترجمان التي طالبت بالانتقال إليها، غير أن الأماكن هناك صغيرة لا تساعد على العمل ولا يعرفها الناس.

وعلى جانب آخر، انتقد محمود، وهو بائع بالوكالة، ارتفاع الأسعار التي اعتبرها "خراب بيوت"، لافتا إلى أن الناس كانت تحرص على شراء العديد من القطع إلا أنها تكتفي الآن بواحدة وأحيانا تمشي دون شراء شيئ، وبحسب قوله فإن "الثورة الجاية هتكون من شارع ٢٦ يوليو".

 

وكغيره من الأماكن الشعبية، تمتليء الوكالة بعمالة الأطفال، ومن بينهم الطفل عمر البالغ من العمر ثلاثة عشر عاما، والذي ترك أهله في سوهاج ويعمل مع قريب له حيث يرسل أمواله لأسرته هناك، مشيرا إلى أنه ترك المدرسة وفضل البيع بالوكالة.

 

وككل شيء له منتفعون، فالضرر واقع لا محال على آخرين، ومنهم الحاج أبو العلا الذي يمتلك محل جزارة بالمنطقة منذ أكثر من ٤٠ عاما، ويرى أن الوكالة تؤثر بالسلب على المنطقة حيث تسبب زحاما دائما إلى جانب أن الكثير من المحلات (جزارة، بقالة، ...) أغلقت أبوابها وحل محلها بائعو الملابس والأحذية.

 

الأجانب هنا لهم حظ كبير، فيقصدون المنطقة للاختلاط بالمصريين في مظاهر حياتهم المختلفة، فهنا التقينا «إيمي» و«ميجن» الإنجليزيتين اللتين تدرسان اللغة العربية في مصر، تريان أن الوكالة يغلب عليها الطابع المصري أكثر من كونها مكانا سياحيا للأجانب، وقالا إنهما بذلا وقتا طويلا للحصول على أشياء مناسبة للشراء.

 

 

طلاب جامعة الأزهر من بلاد إسلامية، كانوا أيضا ضمن من التقينا بهم هنا في وكالة البلح، في زيارة للمنطقة عي الاولى بالنسبة لهم، وبالطبع لن تكون الأخيرة، حسبما أكدوا بعد شرائهم عدد كبير من قطع الملابس الجديدة.

 

الزيارة لم ولن تنتهى لوكالة البلح، ذلك السوق الذي يذخر كل يوم بما هو جديد ومثير، فلا تفوتك متعة التسوق والتجول هناك.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية