"سور الاسكندرية العظيم"

"سور الاسكندرية العظيم".. أقدم أسوار مصر المحروسة علي شاطئ البحر المتوسط

أنشأة الإسكندر الأكبر منذ 2300 سنة

 

"سور الاسكندرية العظيم".. أقدم أسوار مصر المحروسة علي شاطئ البحر المتوسط

وقف الاسكندر الأكبر على شاطئ قرية راقودة أو "راكوتيس" والتي عرفت فيما بعد بالاسكندرية، مبهورا بموقعها المثالي في صدارة الأراضي المصرية، شريط ضيق طويل، يحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب بحيرة مريوط، وعلى مقربة من الشاطئ تقف جزيرة فاروس بصخورها كحاجز طبيعي يحمي المدينة.

 

"كيف أحمي المدينة من جشع الغزاة".. كان هذا أول ما شغل بال الإسكندر، فوضع تخطيطا هندسيا لعروس النيل، وكعادة فلسفة ذلك الزمان، وضع تخطيطا لبناء سور ضخم يلتف حولها، يضم عدد من الأبراج والحصون والأبواب، بدأها بباب الشمس في الشرق، وباب القمر في الغرب، ليتمكن حاكمها من الدفاع عن المدينة ضد أي اعتداء.

 

العمل في بناء السور بدأ في عهد الإسكندر الأكبر، ولكنه لم يكتمل في عصره، إنما إكتمل في عهد البطالمة، وزاد تحصينه الرومان، كان السور يحيط بالمدينة المأهولة على شكل مستطيل، يبدأ غربا من نهاية طريق كانوب، ويمتد محاذيا لشاطئ البحر المتوسط إلى رأس لوكياس شرقا، ثم ينحدر جنوبا حتى ترعة الأسكندرية، ثم يسير محاذيا لها حتى يصل إلى النقطة التي بدأ منها.

بني السور القديم من أحجار تم جلبها من محاجر المكس، ويبلغ طول السور الخارجي للمدينة  15.8 كيلومتر، بكل ما فيه من تعرجات بالإضافة إلى 600 متر أخرى كانت امتداد "التيمونيوم"، وهو مقر إقامة القائد الروماني "ماركوس أنطونيوس" في الأسكندرية، رغم أن المدينة قديما كما وصفها الجغرافي اليوناني "استرابون" لم تكن تتجاوز 5.09 كيلومتر طولا، و 1.15 كيلومتر عرضا من ناحية الغرب، و 1.4 كيلومتر من ناحية الشرق، و 1.7 كيلومتر في الجزء الأوسط من المدينة.

 

واليوم وبعد مرور أكثر من 2300 عام على بداية إنشاء سور الأسكندرية، يمكن أن نرى بقاياه مازالت واقفة في الطرف الشرقي من حديقة الشلالات الجنوبية أمام الإستاد الرياضي، وهو الجزء الوحيد المتبقي من السور، إلا أن هذه البقايا أجزاء من السور الذي أقامه "أحمد بن طولون" في القرن الثالث الهجري، وتبلغ مساحته حوالي 79.5 متر مربع.

أما أسوار الاسكندرية القديمة، فقد طمرها الزمن، وأصبحت أثرا تحت الأنقاض، ولكن أثناء القيام بالحفر وراء راس لوخياس، اكتشف عمال الحفر أساسات يبلغ عرضها خمسة أمتار مبنية بأحجار صغيرة، وملاط مكون من الجير وقطع الطوب الصغيرة، تبلغ مساحته 300 متر.

 

توالت بعد ذلك الأكتشافات لبقايا سور الأسكندرية، فاكتشفت بقايا ممتدة من البقايا السابقة على عمق 3 أو 4 أمتار تحت الأطلال، طولها 200 متر، هنا توقفت عملية الحفر ولمسافة 700 متر مربع، بسبب أن الأرض كانت منخفضة ولا تكاد ترتفع خمسة أمتار فوق سطح البحر، وفي جنوب المدينة أكتشفت بقايا أخرى عبارة عن كتل كبيرة من البناء، يبلغ عرضها خمسة أمتار، وتتكون من أحجار سميكة، وملاطها يختلف عن ملاط الجزء المكتشف عند رأس لوخياس.

كان للسور دور عظيم في حماية الأسكندرية عبر التاريخ، فقد عجز أمام قوته الملك أنطيوخوس الرابع ملك سوريا، في بداية القرن الثاني قبل الميلاد، كما وقف شامخا أمام عجز قوات الإمبراطور الروماني "دقلديوناس"، التي عجزت على اقتحامه لثمانية أشهر كاملة في نهاية القرن الثالث الميلادي، وقد ظلت هذه الأسوار متمتعة بقوتها حتى الفتح العربي.

 

العهد الإسلامي

 

كان عمر بن العاص أول من قام بهدم جزء من سور الأسكندرية المنيع، بسبب احتلال الإمبراطورية الشرقية لها عام 645، ولأنه أضطر إلى حصارها وقت طويل حتى يمكنه استعادتها من قبضته، ففكر في هدم جزء من السور حتى لا يضطر مستقبلا لحصار طويل إذا سقطت المدينة مرة أخرى في يدِ طامعة، وفي عهد أحمد بن طولون تم بناء سور جديد، يحيط بما تبقى من المدينة، ولتحصين المناطق المأهولة وإخراج المنطقة الجنوبية المهجورة من نطاقها.

وكانت أبواب السور الجديد تواجه بوابات السور القديم، ففي الشرق بوابة "رشيداء القاهرة" وتواجه بوابة الشمس، وفي الجنوب "باب سدره"، وفي الغرب توجد "باب القرافة" وهي تواجه بوابة القمر، أما "باب البحر" على الميناء الشرقي فقد ظل في مكانه القديم.

 

صنعت هذه الأبواب من خشب الجميز، وهي مدعمة بنصال حديدية مثبتة بمسامير مدببة الرءوس ومتعددة الأشكال، ورغم أن حديدها تآكل بسبب الصدأ، إلا أن خشبها يكتسب المزيد من الصلابة بمرور الزمن، ويوجد على كل باب كلمات عربية مكتوبة بالخط الكوفي توضح تاريخ انشائه.

الجانب الشمالي من السور، والذي كان يمتد من باب البحر غربا وحتى الباب الأخضر، يتميز بأنه مزدوج، وكان يوجد بين السورين درب فسيح به دار الطراز لصناعة المنسوجات، وكان ارتفاع السور الخارجي 10 أمتار فقط، أما السور الداخل فكان أكثر قوة وارتفاعا وسمكا، وفي ذلك الوقت كانت المدينة تتكون من ثلاثة أحياء، حي المصريين الوطني، وحي الروم، وحي اليهود، وكان كل حي مسور بسور خاص به، بسبب العداء الذي كان يوجد بين الطوائف الثلاثة.

 

ويتميز هذا السور العربي بشكله الهلالي البسيط، فكان يتكون من سور النطاق الخارجي وهو قديم جدا، ومتماسكا من ناحية باب رشيد، تحميه أبراج منتظمة يبلغ قطرها 20 قدما، تبعد عنه حوالي 130 قدم تقريبا، وأسوار النطاق الداخلي تحصنها من الجوانب أبراج كبيرة على ارتفاع كبير، وهذان الخطان موجودان على طول المدينة فيما عدا الأجزاء التي غمرتها مياه البحر، فهي محصنة طبيعيا، وبني هذا الخط على أساسات النطاق اليوناني.

 

ونتيجة الحركات الثورية التي قامت في العصر الفاطمي، تعرض السور للكثير من التصدع، فقام الخليفة الآمر بإصلاحه وإعادة بناء ما تهدم منه سنة 517 هـ، كما قام الأمير أبي الأشبال ضرغام سنة 557هـ ببناء برج ضرغام عند باب البحر، هذا البرج حُرق في غزوة القبارصة سنة 767هـ.

وفي عهد الأشرف شعبان بن قلاوون، أعيد ترميم أبراج السور على يد سيف الدين الأكز، وصلاح الدين خليل بن عرام، أما صلاح الدين الأيوبي فقد أبدى اهتماما خاصا بعروس النيل، واهتم بإصلاح أسوارها وحصونها وأبراجها وقلاعها.

 

وفي العصر المملوكي، قام السلطان بيبرس سنة 676هـ بترميم 46 بدنه، و17 برجا من السور الأمامي الشمالي، تصدع بسبب زلزال ضرب ساحل الأسكندرية، كما قام ركن الدين بيبرس بتدعيم الجزء الشمالي من السور بستارة أمامية تطل على البحر، وهذه الستارة الخارجية المطلة على البحر عليها أبراج وقلاع ضخمة مشحونة بالعدد والأسلحة والاتراس، ولها أربعة أبواب مقابلة للأبواب الرئيسية.

أما العثمانيين، لم يهتم بالمدينة أو بأسوارها وأبراجها، فأصبحت خراب، حتى أن علماء الحملة الفرنسية وصفوها بأنها مدينة شبه خلاء، يسير فيها الإنسان عدة ساعات دون أن يرى من معالم العمران سوى الأطلال، يحدد معالمها سور يبلغ طوله 7893 مترا، تتخلله ثغرات وفتحات سببها الإهمال الطويل، كما يتخلله 100 برج، هم خلاصة جهود ملوك مصر وسلاطينها في العصر العربي الطويل.

 

بعد سيطرة الحملة الفرنسية على المدينة، اهتموا بترميم الأسوار وإصلاح الحصون والأبراج، وزادوا من تحصين القلاع القديمة الموجودة على الساحل، خاصة قلعة قايتباي وقلعة أبي قير، إلا أن هزيمة القوات الفرنسية في معركتي أبي قير البحرية والبرية، والحصار الذي فرضته القوات البريطانية على المدينة لمحاصرة القوات الفرنسية، أدت إلى هدم القلاع التي بنوها، وعادت المدينة لأسوأ ما كانت عليه قبل قدوم الفرنسيين.

أما محمد علي فلم يهتم مطلقا بسور المدينة وقلاعها، رغم ذلك وقف باب رشيد شامخا ومقاوما الإهمال حتى بدأ يتصدع عام 1882، ثم اختفت معالمه تماما سنة 1885، فقام هو وخلفائه ببناء العديد من الطوابي الدفاعية، تفصل كل واحدة وأخرى في المتوسط ثلاثة كيلومترات، وهذه الطوابي من الغرب إلى الشرق هي طابية العجمي البحرية، والعجمي القبلية، والدخيلة، والمكس، والعرب، والناموس، واليسرى، والملاحة، والصالح، والفنار، والأطه، وقيتباي أو حصن فاروس، والرمل، والمعمورة، والسبع، والبرج، والرمل بأبي قير.

 

ومن أبرز هذه الطوابي "طابية النحاسين" التي تقع في منطقة الشلالات، وتتكون من طابقين منتظمين الشكل، وبنيت من الأحجار الدستورية، والطابية الحمراء وهي مكونة من تل صناعي من الطمي مع خليط قطع الفخار الأحمر، ومحاطة بسور من أعلى حافة التل، كذلك طابية السبع وهي عبارة عن مبني من قوالب حجر الدستوري، تحاط من الخارج بخندق، تأخذ الشكل الجمالوني.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية