يضم 13 برج و4 قصور و3 مساجد و3 متاحف

"قلعة الجبل".. حصن صلاح الدين الأيوبي لحماية القاهرة من عدوان الصليبيين وفلول الفاطميين

"خطر الصليبيين قادم.. وخطر الفاطميين لم ينتهي بعد.. كيف نحمي أرض النيل من هجماتهم.. ومن هجمات كل طامع".. وقف الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي، والمُلقب بـ"صلاح الدين الأيوبي"، مؤسس الدولة الأيوبية، أعلي جبل المقطم، يتأمل مدينتي القاهرة والفسطاط، فلم يمر علي تتويجه عام 1174 سوي أشهر قليلة، واصبح علية أن يحمي البلاد من غزواتهم المتكررة.

 

"قلعة الجبل".. تلك القلعة التي يعتقد عموم المصريين أنها قلعة محمد علي باشا، لمجرد فقط أنه بني مسجده الأشهر أعلي قلعة صلاح الدين الأيوبي، تلك القلعة جاءت لتتوافق مع فلسفة العصور الوسطي في تخطيط المدن الكبري، سور ضخم يحيط بكل المدينة، يتخللها عدد من الأبراج الشاهقة، ولكن صلاح الدين الأيوبي أمر بوضع تخطيطا هندسيا لسور أضخم يحيط مدينتي القاهرة والفسطاط معا، حتى يستطيع جيش واحد حماية المدينتين ضد أي اعتداء، على أن تكون القلعة مركز السور، وأختار جبل المقطم موقعا مثاليا لها، وهو ما جعل مهاجمتها أمرا صعبا.

 

الحقيقة أن قلعة صلاح الدين الأيوبي تُعد من أفخم القلاع الحربية التي شُيدت في العصور الوسطى، وتعتبر من أهم معالم القاهرة الإسلامية، تقع في حي "القلعة"،  فوق إحدى التلال المنفصلة عن جبل المقطم، على مشارف مدينة القاهرة، الموقع المتميز الذي تنفرد به جعلها تشكل حاجزا طبيعيا مرتفعا بين مدينتي القاهرة والفسطاط، لذلك أمكن التواصل بين القلعة والمدينة في حالة حدوث أي حصار.

ورغم أن العالم الإسلامي به ثلاث قلاع معروفة بهذا الاسم، إلا أن القلعة الوحيدة التي بناها صلاح الدين فعلا، والتي تعود للعهد الأيوبى، هي تلك الموجودة في العاصمة المصرية القاهرة، أما قلعة صلاح الدين في الأردن فقد بُنيت بأمرٍ من صلاح الدين على يد قائده عز الدين أسامة، أما قلعة صلاح الدين في سوريا فتعود للعصور الإغريقية.

 

العمل في بناء القلعة بدأ في عهد صلاح الدين، ولكنه لم يكتمل في عهده، إنما في عهد السلطان الكامل بن العادل، فكان أول من سكنها وجعلها مقر الحكومة المصرية و"بيتا للسلطان"، واستمرت هكذا حتى عهد محمد علي، لكن في ستينيات القرن التاسع عشر أنتقل مقر الحكومة من القلعة إلى قصر عابدين، عندما انتقل الخديوي إسماعيل ليقيم في قصره بحي الإسماعيلية.

قبل بناء القلعة بأسابيع قليلة، وبمجرد أن تم تحديد موقعها، توجه الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي أحد أمراء صلاح الدين الأيوبي، بصحبة رحاله، ليقوموا بتمهيدها، وهدم جميع المساجد والقبور التي كانت موجودة أعلى تلك الهضبة، ثم أمر بنحت الصخر لعمل خندق صناعي، ليقوم بفصل جبل المقطم عن الهضبة التي إختارها صلاح الدين لبناء قلعته، ما زاد من قوتها ومناعتها.

 

ورغم أن بناء قلعة الجبل انتهى عام 1184، إلا أن سور صلاح الدين نفسه ظل مجرد مخطط على الأوراق حتى مطلع عام 1238، وتتألف القلعة من قطاعين مختلفين، الاول يوجد في الجهة الشمالية، مستطيل الشكل، تحيطة أسوار من الناحية الشمالية والشرقية، بُني في عهدي صلاح الدين الأيوبي، وأخيه الملك العادل، كان يُستخدم كحامية عسكرية، لما يحتوية من أبراج مستديرة ومربعة، أما القطاع الجنوبي الغربي من القلعة فيوجد به قصر الحكم ومقر لإقامة الوالي.

داخل القلعة نفسها، حفر صلاح الدين بئرا عميقا، يبلغ عمقه 85 مترا، ليوفر المياه لجنوده ولسكان قلعته إذا مُنع عنها الماء حال حدوث أي حصار، وقد عُرف هذا البئر بإسم بئر جوزيف، مازال يمكن رؤيته حتى اليوم، كما عُرف أيضا بإسم بئر الدوامة، لأن مدخله مكون من 300 درج، فعندما ترتفع المياه من البئر إلى السطح، تصل إلى القلعة عن طريق سلسلة من القنوات.

 

وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون، اي مطلع عام 1293 ميلادية، لم يكن البئر قادرا على إنتاج كمية من المياه تكفي عدد البشر والحيوانات التي تعيش داخل القلعة، فقام ببناء بئر ينقل المياه من النيل إلى السور عن طريق مجموعة من العجلات، ثم تنتقل المياه إلى القلعة عبر القنوات التي شيدت في عهد صلاح الدين.

 

أبواب القلعة

 

لقلعة الجبل أربعة أبواب، عُرف الباب القديم باسم باب المقطم لمجاورته لبرج المقطم الذي يرجع تاريخه إلى العصر العثماني، كما عُرف هذا الباب باسم باب الجبل لإشرافه على باب جبل المقطم، أما حالياً فإنه يعرف باسم بوابة صلاح سالم، وقد تم سد هذا الباب في فترة من الفترات، وكان عبارة عن فتحة مستطيلة في حائط سميك جدا في إتجاه الجنوب من برج المقطم، وكان على هذا الباب لوحة تذكارية تحمل نصاً تأسيسياً باللغة التركية باسم يكن باشا وتاريخ بناء الباب والقصر يعود إلي عام 1785 ميلادية.

 

وعندما تولى محمد علي باشا الحكم، قام بعمل تجديداته بالقلعة، في البداية قام بتمهيد طريق يصل بين باب الجبل إلى قلعته بالمقطم، وأضاف الزلاقة الصاعدة إلى أعلى جبل المقطم، وكان طول هذا الطريق حوالي 650 متراً، وبمرور الزمن ضاعت معالمه، كما تم هدم جزء كبير من السور والشرفات التي كانت تعلوه، وتم أيضاً هدم جزء كبير من السلالم التي كانت تصل إلى أعلى السور الشمالي وبرج المقطم عند شق طريق صلاح سالم سنة 1955، ومؤخراً قام المجلس الأعلى للآثار بإعادة فتح هذا الباب ليتناسب مع مكانته التاريخية والحضارية.

في عام 1827 بدأ محمد على باشا في بناء الباب الجديد ليستخدم بدلا من الباب المدرج، والذي كان الباب الرئيسي للقلعة، وأنشأه الناصر صلاح الدين الأيوبى سنة 1183، فقد رأى محمد على باشا أن كلا من الباب المدرج وباب الإنكشارية لا يصلحان لمرور العربات والمدافع الحربية ذات العجلات، فبنى بدلا منها الباب الجديد ومهد له طريقا منحدرا لتسهيل الصعود إلى القلعة والنزول منها وهذا الطريق يعرف اليوم باسم شارع الباب الجديد أو سكة المحجر.

 

وللباب الجديد واجهتين رئيسيتين، الأولى وهى الشمالية، وتطل على شارع الباب الجديد وسكة المحجر، ويقع في الناحية الغربية منها دار المحفوظات القديمة دفتر خانة القلعة، وباب الانكشارية، وطول هذه الواجهة 15.50متر وارتفاعها متغير حيث يتراوح ما بين 16 متر إلى 20 متر، وتحتوى هذه الواجهة على عدة تفاصيل معمارية مميزة، يتوسطها كتلة المدخل التي يعلوها لوحة تذكارية كتب بداخلها، بخط الرقعة البارز، على أرضية من فروع نباتية "يا مفتح الأبواب"، وأسفل هذه الكتابة إطار زخرفى كتب بداخله "راقمه عبد الغفار"، وفي المدخل كتلة دائرية قطرها 123 سنتيمتر، نُقش داخها برموز الجيش المصري ووحداته وأسلحته المختلفة في عهد محمد على باشا.

أما عن الباب الوسطاني، فقد جاء ذكرة في احد كتب المستشرق الفرنسي "بول كازانوفا" سنة 1894، وقال فيه ان هذا الباب سسُمي بالوسطانى، نظراً لأنه يتوسط الديوانين الكبيرين بالحوش السلطانى، وهما ديوان قايتباى وديوان الغورى، ذكر بعض الباحثين أنه عرف بالوسطانى لأنه كان يفصل ما بين دهليز القلعة العمومى البحرى، وبين الحوش الذي يقع فيه جامع الناصر محمد بن قلاوون، وجامع محمد على باشا، وقد عرف هذا البرج باسم برج الطبالين، نظرا لوقوعه بجوار دار العدل التي أنشأها الظاهر بيبرس، وحولها الناصر محمد بن قلاوون لتكون دارا لقارعى الطبول، ولقد قام محمد على باشا بتجديد هذا الباب والسور الذي يحيط به، وإن كان غير معروف تاريخ تجديد الباب الوسطانى نظراً لعدم وجود نص تأسيسى أو لوحة تذكارية به إلا أنه من المرجح أنه قد قام بتجديده سنة 1826، عند تجديده لباب القلعة المجاور له في الناحية الشرقية.

 

أمام مدرسة السلطان حسن ومسجد الرفاعي واحدة من أضخم وأجمل الأبواب الإسلامية، يشبه إلي حد كبير في تكوينه بابي الفتوح وزويلة، وهو باب العزب، وهو مكون من برجين كبيرين مستطيلين، لهما واجهة مستديرة أعلى كل منهما غرفة، وبينهما توجد سقاطة استخدمت لإلقاء الزيوت المغلية على الأعداء الذين يحاولون اقتحام البوابة عنوة، بناه الأمير رضوان كتخدا الجلفي قائد الجنود العزب في موضع باب قديم يرجع تاريخه إلى العصر المملوكي، وقد جدد هذا الباب الخديوي إسماعيل، وأكسبه مظهره الحالي ذو الشكل القوطي وذلك عندما جدد ميدان الرميلة ووسعه، كما أضاف إليه من الخارج الدرج المزدوج.

 

الأبراج

 

يحتوي سور قلعة الجبل علي 13 برج، يكفلون حماية دائمة لجنود القلعة وسكانها، وهم: أبراج المقطم، الصفة، العلوة، كركيلان، الطرفة، المطار، المبلط، المقوصر، الأمام المعروف ببرج القرافة، الرملة، الحداد، الصحراء، المربع.

 

تضم قلعة الجبل أربعة قصور، قصران منهم بنيا في عهد محمد علي باشا، وهما قصر الجوهرة الذي أنشأ سنة 1814، وقصر الحرم الذي أنشأ سنة 1826، وقصرا يرجع إلى القرن الرابع عشر، وهو قصر الأبلق الذي بناه السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 1314، وهو يقع على الجانب الغربي لمنحدر جبل القلعة، بالإضافة إلى قصر سراي العدل.

للقلعة ثلاثة مساجد رئيسية، أقدمهم مسجد ناصر محمد، الذي بني سنة 1318 في أوائل العصر المملوكي البحري، عُرف هذا المسجد بالمسجد المملوكي للقلعة، حيث كان يؤدي فيه سلاطين القاهرة صلاة الجمة، ومسجد سليمان باشا الذي بني سنة 1528 على أطلال مسجد قديم في أبو منصور كوستا، بالإضافة إلي مسجد محمد علي باشا، وهو المسجد الذي دُفن فيه محمد علي، وإن كانت جثته انتقلت إلى حوش الباشا عام 1857.

 

كما تحتوي القلعة على 3 متاحف، متحف قصر الجوهرة، الذي يوجد به ثرية تزن 1000 كيلوجرام، أهداها ملك فرنسا "لويس فيليب الأول" لمحمد علي باشا، أيضا يوجد عرش محمد علي، الذي أهداه له ملك إيطاليا، أما متحف النقل، الذي افتتح عام 1983، فيضم  مجموعة من السيارات الملكية الفريدة التي ترجع إلى فترات تاريخية مختلفة، من عهد الخديوي إسماعيل حتى عهد الملك فاروق، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من التحف الفريدة، أيضا يوجد المتحف العسكري، وهو المتحف الرسمي للجيش المصري، وتأسس عام 1937، تم نقلة من موقعة الأول بالمبنى القديم لوزارة الحربية في وسط القاهرة، إلي موقع مؤقت في حي جاردن سيتي، وفي نوفمبر 1949 نُقل إلى قصر الحرم في القلعة.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية