فصلته جامعة القاهرة لأنه يُصر علي أبحاثه

"عصام حجي".. الباحث عن الحياة في جوف المريخ

"48.5 جنية".. كان هذا أكبر مبلغ يتقاضاه هذا الشاب المتفوق، تخرج من جامعة القاهرة، كان قد إلتحق بكلية العلوم الفلكية وعلم الأجرام السماوية بجامعة القاهرة، سهر الليالي، إجتهد، تفوق، أصبح الأول علي دفعته، وأخيراً تم تعيينه مُهيداً في نفس الكلية ونفس الجامعة، يالا سعادته أخيرا حقق حلمه، سيبدأ في رحلته التي طالما حلُم بها، سيبدأ رحله البحث عن الحياة خارج هذا الكوكب المسكون بالبشر.

 

"عصام حجي لماذا تركت مصر؟".. في صيف 2006 تلقيت دعوة شخصية من المركز الثقافي الفرنسي، لحضور مُلتقي علمي ثقافي يتحدث عن الحياة خارج الأرض، لفت انتباهي وجود باحث مصري، يرأس معمل اكتشاف الكواكب في وكالة ناسا، يرافقه أخر فرنسي يُدي فيليب بايو، رئيس مركز الأقمار والكواكب بوكالة بوردو الفرنسية، بيالطبع لم أفوت الفرصة للتعرف علي الباحث المصري، وفكرة الحياة خارج الأرض.

 

داخل المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة كانت المفاجأة التي صدمتني في بادئ الأمر، شاب صغير لم يتجاوز الثلاثين من عمره، وقف وبكل الثقة يتحدث عن المريخ والحياة خارج الأرض، ودراسته وعمله علي المركبة سبيريت، تلك المركبة الفضائية التي صُممت للبحث عن دلائل على آثار حياة على كوكب المريخ ودراسة أحجاره وتربته، وكيف أنه حاول كثيراً أن يُجري تلك التجارب في الصحراء الغربية، وأن يُشرك الباحثين وعلماء الجيولوجيا والفضاء المصريين، ولكنه فشل.

تباري كلا الباحثين في أفكارهما، وقدما للحضور وجبة علمية شيقه، وبمجرد أن انتهيا، ذهبت إليهما، والحقيقة لم أجد أي منافسه، فلم يلبي تلك الدعوة صحفي غيري، كان أول أسئلتي، لماذا خرجت من مصر؟، أنت عالم كبير وذو شأن فكري، فلماذا لم تطبق أفكارك تلك هنا في بلدك؟، حقيقة لم أكن أدرك سذاجة ما أطرحة من أسئلة، فقد كنت حديث العهد بكل ما يخص أهل العلم في مصر.

 

تخيلوا معي هكذا، شاب صغير، تفوق في دراسته، ودرس علوم مُعترف بها في جامعاتنا المصرية، وأصبح مُعيدا بها، وبراتب لا يصل إلي الخمسين جنيها، وهذا في أوئل الألفية الجديدة، ولديه الحوالات البنكية التي كانت تصله حينما كان باحثا في فرنسا، يحتفظ بها لأبنائه حتي لا يتهمونه بأنه ترك مصر ولم يقدم لها أي شيء، في الوقت التي تمنح فيه الكثير للمنافقين وأهل المحسوبية وأنصار اللا شيء، والأدهي إنه حينما تحدث مع أحد أهم المؤسسات السيادية المصرية عن مشروعه العلمي ظنوا إنه شخص مختل فقد عقله.

بدأت القصة في مدينة طرابلس، حينما ولد هذا الشاب عام 1975، اسمة بالكامل عصام محمد حجي، والدة الفنان التشكيلي محمد حجي، وهناك حصل علي الشهادة الإبتدائية، وبعد سنوات التحق والده بالعمل في مشروع ضخم لترميم بعض الآثار الإسلامية في تونس في ثمنينات القرن الماضي، فحصل هناك علي شهادة الثانوية العامة، وفي مصر التحق بجامعة القاهرة وحصل علي البكالوريوس في علم الفلك وعلم الأجرام بعدها عُين معيداً بالجامعة عام 1997.

 

خرج عصام حجي إلي عاصمة النور الفرنسية "باريس" في رحلة الحصول علي درجة علمية أكبر، فحصل على الماجستير في علم الفضاء سنة 1999، ثم تبعها بالدكتوراه من نفس الجامعة سنة 2002، وهي أول دكتوراه مصرية في علم اكتشاف الكواكب، ولان موضوع الرسالة هو البحث عن الماء في المريخ والمناطق القاحلة علي الأرض، اهتمت وكاله الفضاء الأمريكية ناسا به، ووجهت اليه دعوه للمشاركة مع فريق من العلماء بحثا عن الحياة خارج الارض، وكانت فرصة له ليري العالم من جانبة المشرق، فانضم الي مركز "جونسن اسبيسي" لدراسات الكواكب بالوكالة، واستطاع ان يكون ضمن فريق المكوك "اسبيرت" في رحلة اكتشاف المياة علي كوكب المريخ.

"إرجع مصر.. أنت مطلوب للتحقيق.. لقد إرتكبت جُرم شنيع".. كان هذا هو رد منظومة التعليم المصرية، والحقيقة معها كل الحق، كيف لهذا الشاب أن يخرج عن السيطرة، كيف له أن يحلم، والأدهي أن يحقق حلمه، ثم أنه بالفعل يجب تحويله للتحقيق، فما إرتكبه كان كارثياً بحق، هذا المُعيد أخل بأهم واجباته العلمية في مصر، فقد كان ضمن بعثة رسمية خطيرة كُلف بها، وتم رصد ميزانيه ضخمة، ووضعت تحت بند سري للغاية، ولكنه للأسف لم يحضر، تلك البعثة التي أخل بها يا سادة، هي عدم حضوره مراقباً علي امتحانات الفصل الأول الدراسي، هل تدركون الأن حجم الجريمة التي ارتكبها.

 

التناقض مخيف ومرعب، فالرجل الذي تعاملة وكالة ناسا الفضائية، أكبر مركز بحثي في العالم، كعالم له قيمته لا تري فية جامعة القاهرة التي تفوق بها وأصبح متفوقا، سوي موظف يستحق العقاب، ولماذا لأنه لم يحضر مراقبا علي طلبه تؤدي إختبارا نصف سنوي، لقد كان مع فريق متابعة المكوك سبيريت، بينما إدارة الجامعة لا تعرف سبيريت ولا يحزنون!!، كل ما تعرفه أن يأتي هذا العقل ليمارس دوره الأهم، في نظرها، من تفتيش ومراقبة علي الطلاب أثناء الامتحان، حتى لا يخرج أحدهم ورقة بها إجابات، أو ينقل آخر من زميله بطرفة عين معلومة نسيها، أو لم يذاكرها من الأساس.

الكارثة لم تتوقف عند هذا الحد، فالكارثة الأكبر فيما حدث بعد هذا الاستدعاء الذي تم علي وجه السرعة، فداخل غرفة التحقيق، تحدث بعض الأساتذة مع عصام حجي، ونصحوه بالكذب وتقديم شهادة طبية تفيد بأنه كان مريضاً في هذا الوقت، وانه يمتلك ما يبرر عدم حضوره الامتحانات، وهكذا ستقتنع الجامعة بشهادة مرضية كاذبة، أكثر من اقتناعها بمشاركته في رحلة علمية تحدث عنها كل العالم، وأخيراً نال ما يستحق، فقد فصلته الجامعة سنة 2004، لنقده فساد إدارتها، وإصرارها استكمال الإجراءت الإدارية الخاصة به.

 

عصام حجي يعمل حاليا في معمل محركات الدفع الصاروخي بوكالة ناسا الأمريكية في القسم المختص بالتصوير بالرادار والذي يشرف على العديد من المهام العلمية لاكتشاف كواكب المجموعة الشمسية، رأس عدد من المشاريع العلمية طيلة سنوات عمله هناك، حصل علي عدد من الجوائز العلمية، لان أبحاثة ومشاريعة تعد من أهم المشروعات في الوكالة الأمريكية، وهو ما يعني ان مصر خسرت هذا العقل الشاب، بينما عرف الأمريكان كيف يفوزون به، ويجعلونه في طليعة من يبني الحلم الأمريكي في المريخ، ويكفي أن مستشار الرئيس "بوش " لشئون الفضاء والذي يجاور مكتبه مكتب عصام بوكالة ناسا قال: "رغم حب العاملين بالوكالة له، ولكنهم تمنوا لو كان صاحب هذا المنصب أمريكيا".

كما يشرف عصام حجي حاليا على مشروع قمر صناعي يدرس المياه الجوفية، وأثار التغير المناخي على المناطق الصحراوية، كما يعمل في فريق بحثي ضمن المشروع الذي تتعاون فيه وكالتي الفضاء الأمريكية والأوروبية لدراسة المذنبات، كذلك يشارك في أبحاث استكشاف الماء في المريخ، وتدريب رواد الفضاء، وتصميم المركبات المتجهة إلى أجزاء مختلفة من المجموعة الشمسية، كما أنه يشغل منصب أستاذ لعلوم الفضاء بجامعة باريس الفرنسية، وعضوا زائرا بهيئة التدريس بجامعة "كالتك" بولاية كاليفورنيا، وهي نفس الجامعة التي درس فيها الراحل الدكتور أحمد زويل، وهي أعلى الجامعات الأمريكية في مجال العلوم.

 

في قلب الصحراء

 

في منتصف عام 2008، وصل إلي القاهرة فريق من وكالة ناسا إلي مصر، كان يضم 12 عالماً من مختلف التخصصات الفضائية، علي رأسهم "ستيفن ماكويل"، مستشار الرئاسة الأمريكية لشئون الفضاء، وأستاذ السلوك المائي علي سطح المريخ، والبروفيسور "آلان تريمان"، أستاذ "الجيو- كيمياء" والتحليل الطيفي للنيازك المريخية، و"چوستين فيلبيرتو"، أستاذ تصوير الصخور المريخية ، بالإضافة إلي خبيرة الغلاف الجوي "چوهان لندساي" و"ديفيد كرينج"، و"سوزانا سكوينز"، خبيري صناعة الروبوت الليزري، و"فاليري مالار فيرچن" و"وليتر كيفير"، و"كينجستون لي"، خبير طبقات الغلاف الجوي للمريخ، و"نانسي آن بودن" و"باري هيرد" خبير الصحراء الصخرية.

 

كعادة اي فرصة علمية يمكن أن يستفيد منها باحثينا، عاني الفريق العلمي الأمرين أثناء عمله بالصحاري المصرية، من مطالب روتينية تجعلهم ينتظرون شهور كاملة لإستخراج التصاريح، بالإضافة إلي منع بعض الأجهزة العلمية تحت إدعاءات واهية، رغم حصولها علي تراخيص أمنية، بل وموافقة الجهات العلمية المصرية، علماً بأن عمل الفريق داخل الصحراء المصرية سيحقق العديد من المكاسب العلمية والإقتصادية، يكفي أن الميزانية المُخصصة للمشروع كانت تتخطي 1.7 بليون دولار لإنفاقها علي الصحراء الغربية.

المشروع كان يعمل تحت دعم مركز "لونار آند بلانتري إنسيتتوت" الدولي لرصد وإكتشاف الكواكب، وسط أكبر حقل نيازك يقع في منطقة الجلف الكبير، علي بعد 300 كيلو متر جنوب الواحات الداخلة، لتكون بداية حقيقية لغزو المريخ، وبداية حياة الإنسان عليه، في حال تعرض الأرض لأية كارثة محتملة.

 

البداية كانت عندما قام العالم المصري الكبير الدكتور فاروق الباز برسم خرائط لهذا الحقل الذي يضم 1300 فوهه رملية يتراوح إتساعها مابين 85 و950 متراً مربعاً وإكتشف مدي تشابهها الكبير مع سطح المريخ، ونتيجة لذلك قام الفريق، والذي يتبع 7 وكالات عالمية، بالتعاون مع عدد من العلماء المصريين، بإكتشاف العديد من الحقائق العلمية خلال رحلته العلمية للبحث في مساحة 40 الف كيلو متر مربع بالصحراء الغربية .

وقد توصل علماء وكالة ناسا الفضائية، إلي أن سقوط هذه النيازك في منطقة الصحراء الغربية، كان سبباً رئيسياً في فناء حضارة عريقة، ولذلك يعدها علماء الفضاء أهم مناطق الأرض، وأبدوا دهشتهم في نفس الوقت من عدم إعلان مصر تلك المنطقة أثراً قومياً، لما تحتويه من حقائق علمية وچيولوجية نادرة، والإعلان عن هذا الكشف الذي سيضع مصر علي خريطة الأبحاث العلمية والمستقبلية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية