"واحة سيوة".. أرض النخيل والزيتون والعيون الكبريتية وملكة السياحة العلاجية

أرض النخيل، التي عرفها الفراعنة ويجهلها الأحفاد، تعد أكبر خزان للمياه الجوفية في مصر، رغم أهميتها العالمية في السياحة العلاجية، إلا أن إنعزالها عن حياة الحضر جعلها أرضا بكر لا يتوافد عليها الكثيرون.

 

"واحة سيوة".. توجد في محافظة مطروح، على بُعد 900 كيلومتر من القاهرة، و 50 كيلومتر من الحدود الليبية، تبلغ مساحتها حوالي 7800 كيلومتر مربع، تضم ثلاث قطاعات، الأول يقع في الشرق على الحد الغربي من منخفض قطارة، تبلغ مساحته 600 كيلومتر مربع، يضم كل من حصيات ستره، والنواميسه، العرج، البحرين، التبغبغ، جاره أم الصغير.

 

القطاع الثاني من الواحه يقع في الغرب من الحدود الليبية ويضم أم أغزلان، وجربا، وشياطه، والملفا، تبلغ مساحته حوالي 1700 كيلومتر مربع، أما القطاع الأوسط فيضم منطقه بئر واحد وجزء من بحر الرمال العظيم، وتبلغ مساحته حوالي 100 كيلومتر مربع، وتتمتع المحمية بمناخ قاري صحراوي شديد الحرارة صيفا، أما في الشتاء، فنهارها دافئ، وليلها شديد البرودة، وأخطر ما تتعرض له هو السيول.

جاءت النقوش الفرعونية الموجودة في معبد إدفو، لتكشف أن الواحة كانت موجودة منذ عصور ما قبل الأسرات، أي قبل عام 3200 قبل الميلاد، وكان يطلق عليها إسم "بنتا"، ثم أُطلق عليها فيما بعد واحة "جوبيتر آمون"، هذا الإسم الذي استمر حتى العصر البطلمي، ثم أطلق عليها البطالمة إسم "سنتريه"، وهو إسم محرف من إسم "سخيت آم" الذي أطلقه عليها الفراعنة في أحد العصور، ويعني "أرض النخيل".

 

جاء في مخطوطات المقريزي أن العرب أطلقوا عليها "الواحة الأقصى"، بينما يرجح بعض المؤرخون أن إسم "سيوة" جاء من "تنسيوه"، وهو الإسم الذي أطلقه عليها المؤرخ التونسي عبد الرحمن بن محمد بن خلدون في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، وهو إشارة إلي اسم لفرع من قبائل "الزنتانه" في شمال إفريقيا.

 

ينتمي السكان الأصليون في الواحة إلى قبائل الأمازيغ الإفريقية، التي تستوطن بلاد شمال إفريقيا، يقدر عددهم قرابة 35 ألف نسمة، يشكلون 11 قبيلة، لكل قبيلة شيخ وعوائل وأفراد، تلك القبائل تتمسك بعاداتها وتقاليدها الموروثة عبر الزمن، حتى في السياسة كانت لهم سياستهم السنوسية الخاصة إلي أن جاء محمد علي في العصر الحديث، وأرسل حملة عسكرية لفرض النفوذ المصري وأخضعها إليه.

رغم الطبيعة الصحراوية التي تحياها تلك المحمية، إلا إنها غنية بالبحيرات والمياه الجوفية المتنوعة، فإنخفاض أرضها 18 مترا عن مستوى سطح البحر، سبب في وجود أحواض كبريتية، وهي تستخدم في علاج الأمراض الروماتيزمية والجلدية، وعيون عذبة نقية، أقيمت عليها مصانع للمياه تحمل إسم الواحة، وآبار مالحة تستخلص منها ملحا قادر على إذابة ثلوج أوروبا.

 

يوجد بالواحة ما يقرب من 200 عين، يتدفق منها أكثر من 190 ألف متر مربع يوميا، وبذلك تعتبر أكبر خزان للمياه الجوفية في مصر، من أشهر تلك العيون عين كليوباترا، التي يقال أن الملكة كليوباترا كانت تسبح بها، وعين فطناس التي تبعد حوالي 6 كيلومتر من غرب سيوة، تقع على جزيرة فطناس المطلة على بحيرة مالحة، تحيط بها أشجار الزيتون والنخيل، وعين واحد التي تسمى ببئر بحر الرمال العظيم، وهو ينبوع كبريتي ساخن على بُعد 10 كيلومتر من الواحة في قلب بحر الرمال العظيم، بالإضافة إلى عين كيغار وهي واحدة من العيون الكبريتية، التي تستخدم في علاج الأمراض الروماتيزمية، إلى جانب العديد من العيون المتنوعة منها عين تجزرت، وعين الدكرور، وعين قوريشت، وعين طاموسة.

 

كما يوجد أربع بحيرات رئيسية تتوسط الواحة مثل بحيرة الزيتون، وهي بحيرة مالحة توجد في شرق سيوة، تبلغ مساحتها 5760 فدان، وبحيرة المعاصر في شمال شرق الواحة، والتي تبلغ مساحتها 960 فدان، وبحيرة سيوة التي توجد غرب مدينه شالي، وتبلغ مساحتها 3600  فدان، بالإضافة إلى بحيرة المراقي التي توجد غرب الواحة بمنطقة بهي الدين، وتبلغ مساحتها 700 فدان، كما تضم الواحة عدت بحيرات أخرى مثل طعاغين، وبحيره شياطه، وبحيره فطناس.

تتميز المحمية بتنوع بيولوجي وجيولوجي حيث الكثبان الرملية والهضاب والأرض الرطبة، وقد رصد العلماء أكثر من 40 نوع من النباتات، فهي تحتوي على أكثر من 70 ألف شجرة زيتون، وما يقرب من 400 ألف نخلة، كما توجد أشجار المشمش والرمان والجوافة والليمون والتين، ومن النباتات الطبية والعطرية يوجد النعناع والشيح والسكران، أم الندي، والخروع، والحنضل، والعنصل، والعرق سوس، والبردقوش، والريحان، وهي نباتات خالية من المبيدات الزراعية، أما النباتات التي تستخدم كمصدات للرمال فمنها أشجار السنط والآثل.

 

والواحة غنية بأنواع كثيرة من الحيوانات البرية منها الغزال الأحمر، والغزال الأبيض، كما رُصد بها الفهد الصياد قرب منخفض القطارة، بالإضافة إلى اليربوع والأرنب البري والذئب، كما توجد بعض الأنواع النادرة المهددة بالإنقراض ومنها الثعلب الفينيقي والغزال ذو القرون النحيلة وأنواع من القطط.

 

كما رصد العلماء 164 نوع من الطيور منها طيور الحباري والسمان والقمري والقنبرة المتوجة، بالإضافة إلى طائر البشاروش الذي قدسه المصريون القدماء، كما يوجد 32 نوع من الزواحف واللافقاريات، قديما كانت المنطقة قاعا لبحر "تيثس" القديم، وقد أكتشفت فيه الكثير من الحفريات التي تدل على ذلك منها بقايا لقواقع النيوتلس البحرية والشعب المرجانية المتحجرة، وأكبر هيكل لحوت في العالم يرجع إلى العصر الطباشيري منذ 73 مليون سنة، بالإضافة إلى ثلاثة أنواع لحيتان أخرى، وثعابين مائية وأسنان سمك القرش.

أما عن أهم المعالم الأثرية التاريخية في المنطقة، فهناك جبل الموتى على رأس القائمة، وهو عبارة عن مقبرة أثرية تعود للقرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، تلك المقبرة أعيد استخدامها خلال العصر اليوناني والروماني، ففي الحرب العالمية الثانية كان يحتمي سكان الواحة فيها، فأكتشفوا الكثير من المقابر المنحوتة في الصخر منها "سي آمون"، التي تعد أغني المقابر الأثرية في الصحراء الغربية، من حيث عدد المومياوات والنقوش التي ترجع إلى العصور الفرعونية واليونانية، ولعل أشهرها مشهد قاعة محكمة أوزوريس.

 

هناك أيضا مقبرة كاهن الإله أوزوريس "باتحوت"، التي سجلت على جدرانها الأناشيد الدينية والطقس المعروف بإسم "سحب الثيران الأربعة"، بالإضافة إلى مقبرة "التمساح" التي أكتشفت عام 1940، سجلت جدارنها مشاهد كثيرة لكتاب الموتى، ومقبرة "ميسو إيزيس" التي تحتوي على نص يصف الإله أوزوريس بالإله العظيم في "ثاث"، ويعتقد علماء الآثار أنه إسم قديم كان يطلق على واحة سيوة.

 

وكان معبد آمون، الذي شيدته الأسرة الـ30 على يد نيكتانيبو الثاني، مكرسا لعبدة الإله آمون، والذي يقع فوق هضبة الغورمي، ويسمى بالوحي والتنبؤ، فقد اشتهر بتحقيق نبوءاته، ويعتبر مصير جيش قمبيز الذي هلك بعد أن ضل طريقه إلى المعبد، أشهر نبوءة خرجت من هذا المعبد، وهي ما دفعت الإسكندر الأكبر لزيارته، هذا المعبد تتعامد عليه الشمس في الربيع والخريف، أما معبد "أم عبيدة"، والذي يقع بالقرب من معبد الوحي، فقد حطمه حاكم سيوة في نهاية التسعينيات من القرن التاسع عشر، ولم يتبقى منه سوى بعض الأحجار المحفورة بالنقوش الفرعونية.

وفي داخل المدينه، توجد بقايا قلعة شالي، التي بناها أهالي الواحة في بداية القرن الثالث عشر، وهي عبارة عن مجموعة من البيوت وقلعة محاط بها سور كبير، شيدت من مادة تسمى "الكرشف"، وهي أحجار ملحية مخلوطة بالطمي، وصنعت النوافذ والأبواب من أخشاب الزيتون والنخيل، ما جعله مبني يناسب الجو القاري الصحراوي، فهو يلطف الجو في الصيف ويبعث الدفئ في ليل الشتاء القارص.

 

ومن الآثار الإسلامية الموجودة داخل القلعة، المسجد العتيق الذي شيد في بداية القرن الثاني عشر، والمسجد الكبير الذي وضع حجر أساسه الملك فاروق، للأسف تلك القلعة تعرضت للتدمير في القرن الثالث عشر، ومازالت تتعرض للتآكل والتحلل عقب هطول السيول، مشهور عن أهل الواحة ارتباطهم بالأولياء الصالحين، فيوجد على أرضهم 35 ضريح أشهرهم ضريح سيدي سليمان، وهو أحد القضاة الذين كانوا يسعوا لنشر السلام بين القبائل.

 

وعند أطراف الواحة الجنوبية، وفي الجهة المقابلة لجبل الموتى، يقع جبل "الدكرور" برماله الساخنة، الذي يقصده الراغبون في الشفاء من أمراض الروماتويد والروماتيزم، وينظم أهالي الواحة حفلات للحصاد والتسامح على الطريقة الشاذلية.

أعلنت الواحة كمحمية طبيعية مفتوحة عام 2002، واهتمت الدولة بمراعاة التراث السيوي في أغلب منشآتها الحكومية، فأنشأتها على الطراز التقليدي للواحة، مثل متحف البيت السيوي الذي يوثق التراث الحضاري والطبيعي للمنطقة، ويعتبر فندق "أدرير أميلال" الذي يطل على السبع بحيرات أغلى وأغرب فنادق العالم وأجملها، ذلك الفندق الذي استضاف الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة وزوجته عام 2006.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية