"طائر أبو منجل".. سيد الكلمة المقدسة وإله القمر والحكمة والطب

طائر هادئ، يكاد لا يصدر صوتاً، عرفه المصري القديم منذ بداية عصر الأسرات، ورفعه لأعلى مكانة يمكن أن يصل إليها كائن حي على سطح الكرة الأرضية، فلم يكتفوا بنقش صوره على جدران معابدهم ومقابرهم فقط، بل أضحى رمزا للإله تحوت، حتى أن إكتشاف مومياواته المحنطة مازال يجدها علماء الآثار حتى الآن في قبور الفراعنة.

 

"أبو منجل الفرعوني".. أحد الطيور البحرية، التي قدسها المصريون القدماء، وكان اكتشاف جبانة تونة الجبل الموجودة في مركز ملوي بمحافظة المنيا، والتي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، أكبر دليلا على قدسيته، فقد عُثر داخلها على سراديب دفن بها الآلاف من مومياواته، والتي وجدت محنطة ومكفنة بلفائف الكتان، بنفس الطريقة التي يُكفن بها البشر، ووضعت داخل توابيت من الحجر أو الفخار.

 

وتشير النقوش القديمة أن المصريون وضعوا لهذا الطائر قانون خاص، فكل من يسئ التصرف معه عليه أن يواجه حكما بالإعدام، بدأ تقديس هذا الطائر منذ بداية عصر الأسرات وحتي العصر الروماني، فكان رمزا للإله جحوتي المعروف بإسم "تحوت"، وهو إله القمر والحكمة والطب، الذي عُرف بسيد الكلمة المقدسة، حيث تنسب إليه اختراع فن الكتابة.

جاءت بعض فقرات نصوص الأهرام لتدل على زيادة أهمية طائر أبو منجل في عصر الدولة القديمة، حيث ذكر ارتباطه بإله الشمس "رع"، واصفة إياه بإنه أحد الربين اللذان رافقا "رع" في رحلته عبر السماء، فكان الإله "رع" يعبر النهر السماوي على جناح أبو منجل "تحوت".

 

وقد ظهر أبو منجل في مناظر المحاكمة الإلهية، التي تصاحب نصوص كتاب الموتي، وهو يقف أمام الميزان، الذي يزن فيه قلب المتوفي، ويدون نتيجة الميزان، ما أضفى علي الإله تحوت سمة العدالة والإستقامة.

 

وقديما، كان يعتقد الأتراك أن هذه الطيور تحمل أرواح الأجداد، لذلك كانوا يحرصون على حمايتها من الإنزعاج، أما في أوروبا في العصور الوسطي، فكان يعتبر الطبق المفضل لأبناء الطبقات العليا والمخملية لذلك تمت حمايته.

ينتمي هذا الطائر لعائلة أبو منجليات، وهو طائر متوسط الحجم، يصل طوله ما بين 70 إلى 80 سنتيمتر، في حين يتراوح عرض جناحيه ما بين 120 إلى 135 سنتيمتر، ويزن البالغ منه بين 1050 إلى 1300 جرام، ينتشر في جنوب الصحراء وجنوب شرق العراق، كما يتواجد في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ورغم إنه كان مقدس لدى المصريين إلا إنه أختفي تماما من وادي النيل.

 

"رأس ورقبة صلعاء".. تلك أهم ما يميز طائر أبو منجل، كما يأخذ معظم ريشه اللون الأبيض، ويتوزع اللون الإسود بشكل متناسق على ريش الذيل والرأس والرقبة، كما يلون منقاره وسيقانه الطويلة، وعادة ما يطلق عليه "الطائر الناسك" بسبب حبه للمناطق المنعزلة وهدوءه الطاغي، فهو لا يصدر صوتا إلا فيما ندر، وعندما يصدر صوتاً يصنع ضجيجا عاليا.

 

يتغذى طائر "أبو منجل" على الحشرات واللافقاريات والأسماك والضفادع والثدييات الصغيرة والزواحف والطيور الصغيرة، كما يمكن أن يعيش على الجيف، وعادة ما يفضل الحياة في الأراضي الرطبة والمستنقعات الضحلة سواء الداخلية أو على الساحل، للحصول على ديدان الأرض، ورغم إنعزاليته يمكن أن يعشش بالقرب من بعض الطيور، علي الأخص طيور البجعيات، مثل "مالك الحزين"، فنراه يصنع أعشاشه من العصي المنتشره في البرية بالقرب منهم.

ينضج طائر "أبو منجل" جنسيا عندما يبلغ من العمر 12 شهر، وتضع الأنثى من 2 إلى 5 بيضات في الموسم، يتبادل الأبوان في احتضان البيض لمدة تتراوح بين 21 إلى 29 يوما، وبعد الفقس، يبقى أحد الوالدين بشكل مستمر في العش لأول 7 أيام، وبعد 48 يوما يستقل الصغار عن أبويهما، وهو من النوع الذي يعيش لفترات طويلة، حتى أنه قد يعيش ليصل إلى 30 سنة.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية