"البومة المصرية".. الطائر المقدس الذي عاقبه الملك رمسيس الثاني لأنه ضرب وجهه بجناحيه

طائر جارح منطوي، يثير الاشمئزاز بعينيه الواسعتين، ارتبط اسمه بالخراب، حتى أن الغالبية العظمى من البشر تتشاءم من مجرد سماع صوته أو رؤيته، إلا إنه قديما كان له مكانة خاصة عند القدماء المصريون، حتى إنهم إتخذوه حرفا في اللغة الهيروغليفية.

 

"البوم الفرعوني".. طائر لاحم ذو حاسة سمع قوية، تفوق حاسة البشر بـ10 مرات، لا يصدر صوتا أثناء تحليقه في الجو، يطلق عليه البعض "بومة بقرون"، لوجود ريش يشبه القرون فوق رأسها، وهي الأكبر حجما بين البوم في مصر، تنتمي إلى فصيلة البوم الحقيقي من جنس البوميات العقابية، يصل طولها ما بين 46 إلى 50 سم، لونها ذهبي منقط بالبني والأبيض، والعيون برتقالية أو صفراء، تضع أنثاه من 1 إلى 7 بيضات في المرة الواحدة.

 

رغم إن ذلك الطائر لم يكن له مكانة بارزة في الديانة المصرية القديمة، إلا إنه كان ينال الاحترام ليحظى بشرف التحنيط، والتجسيد بإقامة تماثيل له، كما إنهم جعلوه حرفا في اللغة الهيروغليفية، فكان رمزا لحرف "الميم"، وجاءت النقوش الفرعونية على جدران المعابد، لتظهر لنا أن مكانته كانت أكبر في عهد "رمسيس الثاني"، الذي كان يعتبره طائره المفضل، بالإضافة إلى أن المصريون القدماء ربطوا بينه وبين الروح البشرية، فكان المعتقد السائد وقتها، أن روح المتوفى تتجول ليلا في الجو على شكل طائر ذي رأس بشرية، يشبه إلى حد كبير طائر البومة.

اهتمام واحترام المصريون لطائر البومة ظهر جليا في الحُلي التي ترتديها النساء، فكان الكثير منها يصاغ على شكل ذلك الطائر، كما كان يزين منازلهم ومعابدهم بتماثيله المصنوعة من الحجر والنحاس، ويؤكد بعض المؤرخين أنه ظل محل إحترام وتقديس المصريين، حتى ضرب بجناحه وجه رمسيس الثاني، فغضب عليه الملك وانتقم منه، من هنا جاءت تسميته بـ"أم قويق"، ليكون رمزا للشؤم والفأل السيئ لدي المصريين.

 

وفي العراق، عثر على لوحة مجسمة من الفخار في مدينة بابل، تظهر آلهة عارية مخيفة على شكل إنسان يمتلك أجنحة وأقدام بومة، تضع قدميها على أسدين عجاف، يحيط بها طائران ضخمان من البوم، يقفان بانتصاب، ينظران إلى الأمام، مما يعطي إنطباع بأنهما رفقاء الآلهة أو حراسها.

 

قديما، استوطن البوم الجبال والأماكن البعيدة عن البشر، وقريبا بدأ في الظهور في المدن والقرى، خاصة بومة "أم قويق" الصغيرة، والتي عادة ما تختار أشجار قليلة الأوراق، لتبني عشها فوق أعلى الاغصان، وإن كانت تفضل المنازل المهجورة، والسيارات القديمة، وفي بعض الأحيان تتخذ من الحفر المنتشرة وسط الصخور موطناً، وفي أحيان كثيرة تضطر لبناء حفرة لنفسها وسط الصخور.

يتغذى البوم على الثدييات الصغيرة كالفئران والجرذان والأرانب، والطيور كالحمام والكتاكيت، بالإضافة إلى الزواحف والحشرات، ذلك الطائر خفيف الطيران، لا يشعر به أحد عندما يطير، فريشه الناعم الخفيف يجعله يطير في صمت، أما عينيه الواسعتين فتساعداه على رؤية فرائسه بمسافات بعيدة، وهو يتميز بقوة سمع تساعده في تتبع فرائسه، والإنقضاض عليها في لمح البصر دون أن تشعر به فرائسه، ولذلك يقول البعض إنه وصف بـ"الخراب" لأنه يقطف ثمار أسطح المنازل.

 

عادة ما تفضل "البومة" أعالي الأغصان، أو نجدها تقف على أسلاك الكهرباء وفوق أعمدة الإنارة، فهي تفضل الأماكن المفتوحة أمامها وخلفها، حتى تتمكن من الرؤية في جميع الإتجاهات، والحقيقة أن رأسها القادرة على الدوران تجعلها تتغلب على عدم قدرة العين على الإلتفاف، ويؤكد علماء الحيوان أن البومة ليست لها حدقة وإنما بؤبؤة العين ملتصقة في الجمجمة ولذلك فهي غير قادرة على الدوران.

 

وهو طائر منطوي، قليلا ما يراه الناس، رغم تشاؤمهم منه، وإن كانوا اعتادوا على سماع صوته المخيف في الليالي المظلمة، وعادة ما ينطلق "نعيق البوم" بقوة بعد التهام فرائسه، حتى أن المصريون يصفونه بـ"أم قويق"، وهو أحد أنواع البوم الذي ينشط ليلاً ونهاراً، حتى إنه قد يكون النوع الوحيد من البوم الذي يراه الناس.

الحقيقة أن فكرة "الفال الشوم" التي ترتبط بالبومة ليست مسيطرة على عقول المصريين وحدهم، فالأساطير المنتشرة حول العالم كانت سببا في كراهية بعض الشعوب لذلك الطائر، ففي اليونان، كان الجنود قديما يتخذونه رمزاً للنصر، أما في الهند فكان يعتبر رمزاً للحكمة والمساندة والنبوة، واليوم أصبح رمزاً "للموت"، كما يشاع في روما أن "يوليوس قيصر" مات عقب رؤية حاشيته البومة في أحلامهم، وفي بلاد الإنجليز يعتقدون أن "البوم" رمزاً للموت، لذلك يقوموا بتعليقها على واجهات المنازل ليبعد عنهم الشر والموت.

 

ما لا يعرفه الجميع، أن هذا الطائر الذي يكرهه ويتشاءم منه الجميع، يعتبر حلقة توازن في الطبيعة، فهو يستهدف الفئران التي تسبب الكثير من الأضرار كتدمير المحاصيل الزراعية، وبالتالي منع الأوبئة التي تنقلها الفئران إلى البشر، وربما إذا علم الفلاحين ذلك الأمر، ما كانوا استخدموا المبيدات الحشرية لقتل الفئران.

 

يتكاثر البوم في شهر فبراير من كل عام، فهو يختار الشريك الذي سيقضي معه طول الحياة، ولا ينفصل عنه إلا بموت أحدهم، وقتها يبدأ الطرف الثاني بالبحث عن زوج جديد، تبني بومة "أم قويق" عش التكاثر بين الصخور أو تحت البراميل والسيارات القديمة في الخرابات، وتضع الأنثى ما بين 3 إلى 6 بيضات، تحتضنها لفترة تتراوح بين 28 و 33 يوما، في ذلك الوقت يتولى الذكر غذاء الأنثى حتى بعد فقس البيض بـ15 يوما، بعد ذلك يقوما معا بجمع غذاء الصغار حتى يبلغ عمرهم ما بين 30 إلى 35 يوم، بعدها يبدأ الصغار الطيران، ويتولى تغذية نفسه.

بعيداً عن "أم قويق" البومة الأكثر شهرة في مصر، والبومة الفرعوني الأكثر قداسة في العصر الفرعوني، يوجد أيضا نوعا ثالثا يعيش على الأراضي المصرية يسمى بومة "بتلر"، التي يصعب رؤيتها كثيرا رغم إنها تنشط ليلا ونهارا، فهي تعيش في المناطق الصحراوية والغير صحراوية والقرى والأماكن المهجورة بالمدن، كما إنها واسعة الإنتشار في الصحراء السهلية بسيناء.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية