عاشق الصحاري القاحلة

"الوشق المصري".. حفيد النمور أشرس القطط الكبيرة في العالم

حيوان عدواني إنعزالي، يعشق السيطرة، معروف بقوته رغم حجمه الصغير، ينتمي إلى قبيلة محاربة، وصف بالقط الأشرس في العالم، بل أن بعض خبراء الحياة البرية يرون أنه لا يقل خطورة عن النمور والفهود، وإن كان أكثر خطرًا عندما يتواجد في الصحاري القاحلة.

 

يُعد "الوشق المصري" أو القط البري، ذلك الفهد الصغير، والذي يلقبه العامة بصياد القرود، أو القاتل الطائر، لخفة حركته أثناء الانقضاض علي الفريسة، أحد الحيوانات الثديية آكلة اللحوم، التي تنتمي إلى فصيلة السنوريات، ويستوطن الغابات والسافانا والمستنقعات والصحاري، ويفضل المناطق الجافة ذات الأمطار المنخفضة، وهو حيوان واسع الإنتشار، فيمكن أن تراه في بعض دول إفريقيا والشرق الأوسط وأسيا الغربية حتى إيران والهند، يطلق عليه الكثير من الأسماء منها الوشق الفارسي، والوشق الإفريقي، وأم ريشات، والتُفه، والوشق الصحراوي، وأيضا بالكراكال أو القرقول أو عنّاق الأرض.

تتميز ذكور الوشق عن الإناث في الحجم، فيصل وزن الذكر 18 كيلوجراما، بينما تزن الإناث 11 كيلوجرام، وبطول يصل إلي 65 سنتيمتر، كما يتراوح طول ذيله من 20 سم إلى 30 سم، ويصل ارتفاعه عند الكتف من 40 إلى 45 سنتيمتر، ورغم إنه يصنف من السنوريات الصغيرة، إلا إنه أثقلها وأسرعها على الإطلاق, إذ تقارب سرعته "البج" البالغ، وهو المعروف بالقط النمر، وتعد أذنه السوداء التي تنتهي بخصلة طويلة من الشعر أكثر ما يميزه، فطولها يصل إلى 4.5 سنتيمتر، لذلك تعددت أسمائه، فأطلق عليه "كارامال"، أي الآذان السوداء.

 

يعشق الوشق المصري حالة الإنعزال التي فرضها علي نفسه، ولا يحب أن يدخل الغرباء مواقع سيطرته، وإن كان أحيانا يعيش في أزواج، كما أنه قادر على أن يعيش لفترات طويلة دون ماء، مستعينا بقضاء حاجته من العصارات التي يستخلصها من طرائده، فهو حيوان ليلي النشاط، عادة ما يقوم بحملات صيده أثناء الليل، وإن كان في المواسم الباردة يصطاد في النهار، ويصعب مراقبته لخفة حركته، فنراه يخرج من عرينه ويعود إليه دون أن يلاحظه أحد.

يتغذى الوشق المصري على القوارض، والأرانب البرية، والوبر، وقد يهاجم طرائد أكبر حجما منه مثل الغزلان، والظباء الصغيرة، والقرود، والأغنام، والماعز، كما إنه يهاجم المواشي الكبيرة الحجم، فهو حيوان مُتحين للفرص، يعيش على مجموعة متنوعة من الفرائس، وإن كان يميل إلى المتوفر من الطرائد، كما إنه يتناول الأعشاب والعنب للقضاء على الطفيلات التي تؤلم معدته، وأحيانا ما يأكل السحالي والثعابين والحشرات، إلا أن نظامه الغذائي يعتمد بنسبة 80% على الثدييات.

 

وكشفت أحد الدراسات الاستقصائية التي أجريت عام  1989 في مقاطعة كيب تاون الجنوب أفريقية، أنه كان مسئولا عن القضاء على ما يقرب من 5 من الماشية لكل 100 كيلومتر مربع في السنة، ولذلك يقوم أصحاب المزارع بقتل الوشق إنتقاما لمواشيهم، ورغم أنه منذ 1996 بدأ حظر صيده في مصر والجزائر وأفغانستان والهند وإيران وإسرائيل والأردن وكازاخستان ولبنان والمغرب وباكستان وسوريا وطاجيكستان وتونس وتركيا وتركمانستان وأوزبكستان، إلا أن بعض الدول مثل ناميبيا وجنوب أفريقيا تعترف بأنه "حيوان مشكلة"، وتسمح بصيده لحماية الماشية.

يتعامل الوشف المصري مع صيده بطريقة مختلفة عن باقي الحيوانات اللاحمة، فهو لا يأكل الطريدة كلها، بل ينتزع اللحم من الفراء الخارجي، فيمكنه قص اللحم ونزعه من الجلد بدقة متناهية بحيث لا يمتزج بشعر الفريسة، أيضا لا يقترب من أمعاءها وأعضاءها الداخلية، وبرغم ذلك فهو يأكل ريش الطيور الصغيرة التي يمسك بها ويمكنه أكل اللحوم العفنة.

 

سرعته وخفة حركته جعلته قادرًا على صيد الطيور وهي في الهواء، فقوة ساقيه الخلفيتين تسمح له بالقفز لأكثر من 3 أمتار في الهواء، وخفته جعلته قادرًا على تغيير اتجاه انقضاضاته طبقا لحركة الطيور وهي في الهواء، كما يتبع فرائسه على الأشجار، فهو قادر على التسلق لأكثر من 5 أمتار، أما الفرائس الكبيرة كالظباء فينقض بهجمة سريعة ويقبض بأنيابه التي تشبه أنياب الكلاب على رقبتها من الخلف، فتختنق وتموت على الفور، ثم يسحبها إلى مكانه المفضل ليتناولها بهدوء.

 

يصبح الوشق كامل النضج جنسيا عندما يبلغ سنة من عمره، وتتعايش الأنثى مع الذكر حتى ينتهي الجماع، ثم ينفصلا، ويستمر حمل الأنثى ما بين شهرين وثلاثة أشهر، ثم تضع حملها إما وسط النباتات الكثيفة، أو في الجحور المهجورة، وهي تلد من واحد إلى 6 قطط، تولد صغارها بعينين وأذنين مغلقتين لفترة 10 أيام، ومخالبها تظل غير قابلة للسحب إلى الداخل لفترة 21 يوما، كما تقوم بصيدها الأول عند عمر 3 شهور، ويترك الأحداث أمهاتهن في فترة تتراوح بين تسعة وعشرة أشهر، على الرغم من أن بعض الإناث يبقين مع أمهاتهن، ويبلغ متوسط عمر الوشق في الأسر 16 عاما تقريبا.

هناك 9 سلالات من الوشق، 7 منها في القارة الأفريقية، السلالة العناقية التي تسمى بـ"الكراكال"، وهي تنتشر في شرق ووسط وجنوب إفريقيا، والسلالة الجزائرية التي تسمى بالوشق الجزائري، وهي تنتشر في شمال إفريقيا، والسلالة الناميبية، وهي تعيش في ناميبيا، والسلالة البوتسوانية التي تعيش في بوتسوانا، والسلالة الجابونية التي تعيش في دولة الجابون، والسلالة النوبية المعروفة بالوشق النوبي، وهي تنتشر في الحبشة والسودان وبعض الدول المجاورة لهم، بالإضافة إلى السلالة النيجيرية التي تنتشر في غرب أفريقيا.

 

كما توجد سلالتين من هذا الحيوان في قارة آسيا، وهي السلالة التركستانية المعروفة بإسم الوشق التركستاني، تلك السلالة المهددة بالإنقراض تتواجد في تركستان في آسيا الوسطى، والسلالة الشاميّة المعروفة بإسم الوشق الصحراوي العربي، وهي تنتشر في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والأردن،و إيران، والعراق، والأناضول، والهند، وفي شبه الجزيرة العربية ما عدا البحرين.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية