دخل مصر بدخول المعز لدين الله الفاطمي

"فانوس رمضان" .. تراث شعبي تخطي الألف عام

"حاللو يا حاللو.. رمضان كريم يا حاللو.. حل الكيس وادينا بقشيش يا نروح منجيش يا حلو".. منذ أكثر من نصف قرن مضي أخرج التراث الفني المصري تلك الكلمات الرائعة، تعبيرًا عن الإبتهاج بهلال شهر كريم، حينما اجتمع محمد حلاوة بكلماته الرائعة، بألحان البديع دائمًا الموسيقار محمد الموجي، بصوت الفنانة صباح، ليرتبط استقبال شهر رمضان كل عام بهم.

 

ما أن ينتهي وزير الأوقاف من بيان اعلانه بحلول شهر رمضان، حتي يخرج الأطفال إلي الشارع، حاملين في أيديهم فوانيس رمضان، مرددين كلمات محمد حلاوة، "حاللو يا حاللو"، ابتهاجًا بالشهر الشهر الكريم، ليتوجهوا إلي الأهل والجيران والأحبة، مطالبين الحصول علي قطع من الحلوى، كالكنافة والقطايف، ويقولون حاللو يا حاللو، أي أعطونا الحلو.

السؤال هنا، من أين جاءت كلمات تلك الأغنية التراثية للكاتب محمد حلاوة، وهل لها أصل تاريخي، القصة تعود لبداية الدولة الفاطمية، يوم أتي الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" إلي مصر، وتحديدًا يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية، حيث خرج إليه باني القاهرة "جوهر الصقلي"، ليستقبله علي مشارف القاهرة في موكب يضم عدد من الأطفال، حاملين الفوانيس ويغنون "حاللو يا حاللو" للترحيب به، بعد ذلك ظلت الفوانيس تضيء شوارع القاهرة حتي آخر رمضان، ومنها ارتبط المصريين بفانوس رمضان حتي اليوم، مرددين نفس الكلمات الغنائية "حاللوا يا حاللوا".

رغم انتشار تلك القصة انتشار النار في الهشيم، إلا أن العلماء والمؤرخين اختلفوا حلوها كثيرًا، إلا أنهم اتفقوا حول أن ظهورة بدأ في العهد الفاطمي في مصر، فهناك من رأي أن الخليفة الفاطمي كان يخرج ليله الرؤية للشوارع ليستطلع هلال شهر رمضان مصطحب معه أطفالاً حاملين الفوانيس ليضيئوا له الطريق، وهناك من يقول أن أحد الخلفاء الفاطميين أمر كل شيوخ مساجد القاهرة بإضاءة المساجد عن طريق فوانيس تضيء بداخلها فانوس صغير يعمل بالزيت تسمي بالفوانيس الإسلامية، وأخرون قالوا أن في ذلك العصر لم يكن مصرحاً بترك النساء بيوتهن إلا في شهر رمضان الكريم، وفي ذلك الوقت كان يسبقهن صبياً حاملاً فانوساً كنوع من التحذير للرجال بوجود سيدات في طريقهم ليفصحوا لهن الطريق حتي لا يرهن فيخدشن حيائهن.

كل ما سبق يؤكد أن فانوس رمضان أصبح أحد أهم المظاهر الاحتفالية الذي أتخذه المصريين للتعبير عن الشهر الكريم، ومنها انتقلت الفكرة لأغلب الدول العربية كدمشق وحلب وفلسطين، بل وقد نالت إعجاب واهتمام كثير من الفنانين والدارسين، إلي أن وصل البعض لدراسة أكاديمية عن سبب ظهوره وتطوره ومحاولة تحويله لقطع فنية جميلة تصلح للديكورات داخل المنازل العربية والمساجد الإسلامية، إلي أن أصبح إنتاجه بصفة دائمة علي مدارس السنة بالكامل، ولكن يبقي ظهوره أكثر قاصر علي الشهر رمضان الكريم.

تُعد القاهرة أكثر مدن العالم ازدهارًا بتصناعة فوانيس رمضان، فتجد الورش تنتشر في منطقة تحت الربع بالقرب من حي الأزهر، كذلك منطقة الغورية، ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب، وهناك عائلات مخصصة لهذا النوع من الصناعات تتوارثها جيل بعد جيل.

 

قديماً كانت الفوانيس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، وتدريجياً أضيف إليها قطع من الزجاج الملون أو الغير ملون بها بعض الفتحات لتمر بها الهواء لتجعل الشمعة مستمرة الاشتعال، بعد ذلك أضيف إليها بعض من النقوش والأشكال والزخارف، ويعتمد صانعها علي بقايا المخلفات الزجاجية والمعدنية، وبشكل يدوي عن طريق متخصص لها، لذا كان يستغرق وقت طويلاً.

هناك بعض الفوانيس الخاصة، والأكثر تعقيداً كفانوس "البرلمان" الذي أطلق عليه هذا الاسم نسبه لأنه كان معلقاً بقاعة "البرلمان المصري" في ثلاثينيات القرن الماضي، كذلك فانوس الملك "فاروق"، والذي تم تصميمة للاحتفال بيوم ميلاده، وقد صمم أكثر من 500 فانوس لتزيين القصر الملكي في هذا اليوم.

 

ظل التطور مستمراً حتي وصل لصناعة الفوانيس التي تعتمد علي نظام البطاريات ولمبات الإضاءة، ثم أصبح كاملًا من البلاستيك، واشتهرت بتصنيعه الصينيين، بل تحول الأمر ليظهر أشكال أخري مختلفة عن الفانوس الذي اعتدنا علية، فقد لجأ بعض مصنعي الفوانيس لتصاميم لأشهر نجوم الفن والسياسة وكرة القدم، لكن يبقي في النهاية مسمي "الفانوس"، والذي لا يباع سوي في شهر رمضان الكريم.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية