سبعة آلاف عام من التاريخ

"الخيول المصرية".. خلده المصري القديم وتهادى به ملوك العالم

منذ أكثر من ألفي عام مضت، وطأت أقدامه القوية أرض الإنجليز، ليكتسب شهرة عالمية في الجمال والقوة، ما أدى إلى تهافت الملوك والأمراء والأغنياء على شرائها بأثمان خيالية، حتي أن ملك إنجلترا "تشارلز الثاني"، كلف سفيرة في بلاد الشرق بشراء الكثير منها، واعتبر ان هزيمته في الحرب الصليبية الثالثة كانت بسببها، وفي نهايات القرن التاسع عشر، وبمجرد أن بدأت سباقات السرعة في مصر، عاد أسمه من جديد يسطع في سماء العالمية، هكذا جاء علي لسان "قدري الارضوملي" في كتابه "الخيل العراب" عن الحصان المصري.

 

أجمعت الأبحاث، والتي قدمتها علوم الحيوان، أن الحصان المصري، رغم شكله الجميل، ورشاقة بنيانه، ووقاره وهيبته، وهدوء طباعه، يُعد أحد أهم الخيول المحاربة علي سطح الكرة الأرضية، تغني العرب به قديمًا، بل ونظموا من أجله القصائد الخالدة، وكان لسرعته، وذكاءه الحاد، وسلاسة قيادته، عرف المصري القديم قيمته، فكان خير جندي يستعين به في حروبه وفتوحاته،  من قادش، وقرقور، ومجدو، والدلتا، والليبو، والحرب البابلية، والقدس، وغيرها من المعارك العسكرية.

الخيول المصرية، بدقة قوائمها، وأعناقها وسيقانها الطويلة، وحوافرها الجيدة، وشعرها القليل، تنتمي للعديد من الفصائل، أشهرها علي الإطلاق فصائل الصقلان، والكحيلان، والهدبان، والعبيان، والصقلاوي، والنوعين الأخيرين  يعدان اشهر وأندر وأغلي وأجمل أنواع الخيول في العالم، وقد أتخذت هذه الأنواع أسمائها نسبة الي القبائل العربية التي اشتهرت بهذه الخيول وكانت هي مصدرها في العالم بمنطقة الجزيرة العربية، وانتقلت لمصر مع الفتح الإسلامي والحروب وتناسلت مع سلالات أخري.

الرحالة السويسري "لودفيج بوركهارت"، والذي زار جزيرة العرب ومصر إبان حروب محمد علي باشا على الجزيرة العربية، وهو من أكثر الرحالة الأوروبيين اتصافًا بالدقة والإنصاف، قال نصًا: "أن كثيرًا من خيل سوريا ومصر وشمال إفريقيا قد دخلت إلى إنجلترا تحت مسمى الخيل العربية، ويروي نقلاً عن البدو في ذلك الوقت، أن الفرس المصرية الملقحة بحصان عربي، تنتج سلالة أجود مما تنتج السورية المحلية التي لا يعد نسلها ذا قيمة رفيعة، وإن كانت ملقحة بحصان من سلالة الكحيل، وقد اعتاد بدو الحجاز أن يشتروا المهار من قافلة الحجاج المصريين، ثم يبيعوا ما تلده بعد ذلك من ذكور جيدة إلى أهل اليمن.

أجمل ما يُنتج من الخيل في مصر تلك الموجودة في المناطق التي ينمو فيها أحسن أنواع البرسيم، علي الأخص في الوجه القبلي حول طهطا وأخمين وفرشوط، وفي الوجه البحري جهة المنزلة، فالخيل المصرية التي تغذَّى جيدًا تبدي من الأفعال العظيمة ما يفوق أفعال الخيل العربية، وقد جعلها اندفاعُها مرغوبةً لسلاح الفرسان في مصر، وبسبب ما لها من صفات وصل سلاح الفرسان المصري إلى ما وصل إليه من شهرة، فالخيول المصرية تتفوق كثيرًا على الخيول العربية في بداية انطلاقها.

يتميز الحصان المصري بالجمال والتناسق، إذ يتراوح ارتفاعه من 150 إلى 160 سنتيمتر، ويتراوح لونه ما بين الرمادي، والأشهب، والبني، والأسمر، والأشقر، والأدهم، يتركز أكثر من 80% منه في محافظة الشرقية، خاصة في منطقة جزيرة "سعود"، والتى أشتهرت بتربية الخيل العربية الأصيلة على أيدي قبيلة الطحاوية، وفي المركز الثاني تأتي محافظة الفيوم، وتحديدا في قرية "دمو"، والتى يطلق عليها قرية الألف مدرب، وذلك لبراعة أبنائها فى تربية وتدريب الخيول، ما أدي إلي الاستعانة بأكثر من 1000 من أبنائها لتدريب وتربية الخيول بمختلف دول الخليج العربي، كما يحتفظ عرب بهتيم ومعزي في الصعيد، الساكنون في الصحراء الممتدة بين النيل والبحر الأحمر بسلالات نقية له.

وعلى الصعيد الرسمي، إهتمت حكومة الخديوي عباس منذ أكثر من مائة عام بإقنتاء الخيول المصرية والأعتناء بها، فتم إنشاء محطة الزهراء عام 1928، والتى تعد أشهر مزارع الخيول فى مصر حتى وقتنا الحالي، وتعكف على تربية وتدريب الخيول، وتصديرها، وإصدار شهادات النسب لها، وإقامة مهرجانات الخيول.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية