في لندن وبرلين وباريس وتورينو إلي نيويورك وتورنتو، هنا 40 مدينة أوروبية وأمريكية، تتزين بالآثار المصرية القديمة

ملوك ورؤساء لا يعرفون «قيمة التاريخ».. 9 معابد ومسلات خرجت من مصر «هدية»!

في لندن وبرلين وباريس وتورينو إلي نيويورك وتورنتو، هنا 40 مدينة أوروبية وأمريكية، تتزين بالآثار المصرية القديمة، فرغم عدم وجود إحصاء رسمي حقيقي لكمية الآثار المصرية المسروقة طيلة أكثر من قرن ونصف مضت، إلا أن هناك 40 متحفاً تضم ما يقرب من 775 ألف قطعة أثرية، منها ما يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية كالمتحف البريطاني، ومتحف برلين، ومتحف بتري للآثار المصرية بلندن.

 

وبعيداً عن الآثار المصرية التي خرجت عنوة في ظل الاحتلال البريطاني لمصر، وفي ظل قوانين للتنقيب لم تحافظ علي المعابد والآثار المكتشفة، قام عدد من الزعماء والملوك والرؤساء المصريين بإهداء بعض الآثار المصرية الفريدة من نوعها كنوع من العرفان والشكر لتلك الدول!

 

في السطور التالية ستتعرف علي أهم تلك العطايا الأثرية:

 

أولاً: معبد دندور

 

معبد مصري قديم، بُني في عهد القيصر الروماني "أغسطس" بالقرب من الشاطئ الغربي، وعلى بُعد 78 كيلومتراً إلى الجنوب من أسوان، أمام قرية "دندور"، وقام القيصر بإهدائه إلى الإلهين إيزيس وأوزوريس، وأيضا إلى شخصين عاديين اعتبرا بطلي حرب هما "باديسه"، والذي يعنى اسمه عطية إيزيس، و"با حور" والذي يعنى اسمه عبد حوريس.

 

وقد شيد المعبد من الحجر الرملي، بمقياس 25 متراً من البوابة الأمامية إلى الخلف، وثمانية أمتار من أعلى حتى أدنى نقطة به، فيما تبلغ غرفة الهيكل المطلة على النيل 30 متراً عرضاً، وتوجد حوائط تحيط المعبد من البوابة الثانية لتفصل الهيكل عن مياه النيل.

 

كما أن المعبد مزين جزئياً بنقوش، قاعدة المعبد مزينة بنقش نبات البردي واللوتس، وترمز إلى الإله حابي، وأعلى بوابة المعبد مزين بقرص الشمس المجنح، والذي يرمز إلى الإله حورس، وعلى الحوائط الخارجية، يصور الإمبراطور أغسطس كفرعون وهو يقدم العطايا إلى الإلهين إيزيس وأوزوريس وولدهما حورس، ويوجد تصوير مشابه في الغرفة الأولى من المعبد يظهر فيه أغسطس يصلى ويقدم العطايا للآلهة، وتوجد على باب الغرفة الوسطى للمعبد، نقوش للبطلين با حور وباديسه وهما يتعبدان للإلهين إيزيس وأوزوريس.

 

خلف معبد دندور هيكل منحوت في الصخر، يرجح وجوده قبل تشييد المعبد، ويعتقد أنه يعود للأسرة السادسة والعشرين، وعند انتشار المسيحية تحول الجزء الأوسط من المعبد إلى كنيسة زالت آثارها إلا بعض النقوش القبطية، حيث توجد بعض النصوص التي سجلت فوق جدرانه، مكتوبة باللغة القبطية، تتحدث عن تحويل هذا المعبد إلى كنيسة، ويبدو أنها سجلت حوالي عام 577 ميلادية وأوصى بتسجيلها الملك النوبي أكسيا نومي.

 

في عام 1963 تم نقل المعبد من مكانه الأصلي لإنقاذه من الغرق بعد بناء السد العالي بأسوان، وتقديرًا للجهد الذي بذلته الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على آثار النوبة من الغرق، تم إهداء معبد دندور إلى الحكومة الأمريكية، لذلك وافق الرئيس جمال عبد الناصر علي القرار الوزاري رقم 4647 لسنة 1966 في ديسمبر من نفس العام، وقد قامت الولايات المتحدة بمجهود كبير لنقله.

 

ومن المعلومات الغريبة، أن حجارة المعبد تزن أكثر من 800 طن، أكبر قطعة حجرية 6.5 طن، وتم نقله في 661 صندوق بواسطة شركة الشحن الأمريكية "إس إس كونكورديا ستار"، وفى 27 إبريل عام 1967ميلادية تم منحه لمتحف المتروبوليتان، والذي قام بإجراء تعديل كبير في المتحف أوائل السبعينيات لتشييد جناح جديد ليشغله معبد دندور الذي أعيد تركيبه بنفس شكله القديم.

 

ثانياً: معبد ديبود

 

المعبد تم بناؤه في الأصل على بعد 15 كيلومتراً جنوب مدينة أسوان، بالقرب من الشلال الأول بالنيل في منطقة "دابود" على الضفة الغربية لبحيرة ناصر، كما تم بناء المعبد للإله إيزيس بجزيرة فيلة.

في العام الثاني قبل الميلاد قام "إدخاليمانى" ملك الكوشيين من مروي ببناء غرفة تعبد صغيرة وأهداها للإله آمون، وتم بناؤها وتزيينها على نفس النمط المتأخر للمعابد في مروي، والتي منها معبد الدكة، وخلال حكم بطليموس السادس وبطليموس الثامن وبطليموس الثانى عشر في العصر البطلمى تم توسعة الغرفة من جهاتها الأربعة، لتصبح معبدا صغيراً بمساحة اثنا عشر متراً في خمسة عشر متراً، وتم إهداؤه إلى الآلهة إيزيس في فيله، وقد أكمل الإمبراطوران الرومانيان أغسطس وطيباريوس تزيين المعبد.

 

ويبدأ معبد "ديبود" برصيف يواجهه طريق مواكب طويلاً، يمر من خلال ثلاث بوابات حجرية، ويقود إلى فناء مفتوح ثم ردهتين، وينتهي المعبد بقدس الأقداس الذي يحوى "ناووسا" من حجر الجرانيت الوردي، أما صحن المعبد فقائم على أربعة أعمدة، ولكنها انهارت في عام 1868 ميلادية، وخلفه يوجد الهيكل الذي أقيم للإله آمون، وفي عام 1960 وأثناء بناء السد العالي بأسوان، قامت اليونسكو بالتعاون مع الحكومة المصرية بنداء عالمي لحماية هذا التاريخ الأسطوري من الضياع والتدمير، وتقديراً لمساعدات دولة إسبانيا لإنقاذ والحفاظ على معبد أبو سمبل، قامت الحكومة المصرية بإهدائها معبد ديبود عام 1968.

 

وفي عام 1972، تم إعادة بناء معبد ديبود، داخل حديقة "باركي دل أويستي"، بالقرب من القصر الملكي بالعاصمة الإسبانية مدريد، وتم فتح المعبد للزيارة للجمهور في نهاية العام، كما تم إعادة ترتيب بوابات المعبد بترتيب مخالف، لما كان عليه المعبد في مصر، ويظهر ذلك بمقارنة صور المعبد التي تم التقاطها له في مصر، فالبوابة التي يعلوها الثعبان المجنح لم تكن الأقرب للمعبد، والذي يعتبر أحد الأعمال الهندسية المصرية القديمة التي يمكن مشاهدتها خارج مصر والوحيد من نوعه في إسبانيا.

 

لم يكتفي حكام مصر السابقون، بالتفريط في معبدي دندرة وديبود لمدينتي نيويورك ومدريد، فالقائمة تطول عدداً آخر من المعابد والمسلات والبوابات المختلفة لمدن الغرب الأوروبي، والتي يأتي علي رأسها:

ثالثاً: معبد طافا

 

كان معبد طافا يقع بقرية طافا "تافيس باليونانية"، على بعد حوالي 48 كيلومتراً جنوب أسوان، وكانت المنطقة تضم معبدين، "قرطاسي" والتي تعود أحجاره إلى القرن الماضي، بينما كان "طافا" مغمورا بالمياه، والمعبد الصغير يتكون من صرح يؤدى إلى صالة للأعمدة، ثم قدس الأقداس، ويؤرخ المعبد بالعصرين اليوناني والروماني.

 

تم بناء "طافا" بين العامين الأول والرابع عشر بعد الميلاد، في العصر الروماني، في ظل حكم الإمبراطور أغسطس علي الأرجح.

 

تبلغ أطواله ستة أمتار ونصف في ثمانية أمتار، من الجهة الأمامية للمعبد يوجد عمودان مربعان، والمعبد مقام على أربعة أعمدة مربعة الشكل، وتوجد على جدرانه بعض الكتابات اليونانية، وحفر للصليب الذي يرمز للديانة المسيحية، كما أنه يتكون من 657 قطعة حجر، تزن حوالي 250 طناً.

 

وقد أهدى المعبد إلى هولندا تقديراً للجهد الذي بذلته في الحفاظ على الآثار المصرية من الغرق عند بناء السد العالي عام 1960 ميلادية، ووصل المعبد إلى هولندا سنة 1971، وأعيد تركيبه في جناح خاص بمتحف الآثار بمدينة ليدن، وتم حفظه من الطقس الهولندي بصورة لا تؤثر بالسلب على أحجاره.

رابعاً: معبد إليسيا

 

معبد صخري بناه الملك تحتمس الثالث بالقرب من قصر "ابريم"، كان مخصصاً لعبادة الآلهة آمون وحورس وساتيس.

 

أثناء عملية إنقاذ آثار النوبة التي قام بها اليونسكو في الستينات تم نقل المعبد إلى المتحف المصري بتورينو، لإنقاذه من الغرق في بحيرة ناصر، وكتقدير من الحكومة المصرية للحكومة الإيطالية على جهودها في عملية الإنقاذ.

خامساً: البوابة البطلمية

 

تم نقل البوابة البطلمية من معبد «كلابشة» إلي ألمانيا تقديراً لجهودها في إنقاذ معابد النوبة، ويعد معبد كلابشة أفضل المعابد الرومانية التي حفظتها لنا الأرض المصرية، وذلك رغم الدمار الذي أصاب جدرانه ونقوشه إلي حد كبير.

 

قبل أن يتم نقل المعبد إلي موقعة الحالي، كان يقع علي الضفة الغربية لنهر النيل علي بعد 55 كيلومتراً، إلي الجنوب من أسوان، وقد ظل المعبد مُغطي بالمياه عقب بناء السد لأكثر من تسعة أشهر كاملة، وتكريما للجهود الألمانية في إنقاذ معابد النوبة، قرر الرئيس جمال عبد الناصر إهداء ألمانيا البوابة البطلمية الموجودة بالمعبد، وهى موجودة حاليا في الجانب المصري بمتحف برلين.

سادساً: قاعة المماليك

 

الحقيقة أن مأساة تنازل الحكام المصريين عن بعض آثارنا، لم تقتصر علي جمال عبد الناصر فقط، ولكنها بدأت قبل ذلك بأكثر من قرن من الزمان، فقد تنازل الخديوِ عباس الأول عن بعض الآثار المصرية، وقام بإهداء الأرشيدوق النمساوي "ماكسمليان" إحدى قاعات قصور المماليك القديمة، وكانت تضم أول نواة لمتحف الآثار الفرعونية المزمع إنشاؤه وقتها، ونقلت القاعة بالكامل عن طريق البحر إلى فيينا، كما أهدى الخديو إسماعيل لملوك وقناصل النمسا وفرنسا وألمانيا نحو 4 آلاف قطعة أثرية من نفس الفترة الزمنية.

سابعاً: مسلة نيويورك

 

مسلة نيويورك موجودة في حديقة سنترال بارك أكبر حدائق منهاتن في مدينة نيويورك الأمريكية يبلغ وزنها 244 طن من الحجر الجرانيتي، فبعد افتتاح قناة السويس في العام 1869، ذُكر عن الخديوي إسماعيل رغبته في إهداء مسلة مصرية إلي الولايات المتحدة الأمريكية، لتدعيم العلاقات التجارية المتبادلة، لكنها مُنحت رسمياً بخطاب موقع في 1879، بواسطة ابنه الخديو توفيق، وبعد نقلها في سفينة خاصة عبر المتوسط والمحيط الأطلسي، أخذت نحو أربعة أشهر لنقلها من ضفة نهر هدسون إلي جزيرة ستاتون، ومن ثم إلي موقعها الحالي.

 

تحتوي مسلة لندن ونيويورك على نقوش باسم تحتمس الثالث فرعون مصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وعلامات أضيفت من قبل في عهد رمسيس الثاني خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وأثناء فترة حكم الرومان لمصر، قاموا بنقل المسلتين في القرن العاشر قبل الميلاد من معبد رع في هليوبليس إلى الإسكندرية لتزيين قصر هناك، ولا يعرف علي وجه الدقة لماذا انتسب اسم المسلات إلى الملكة كليوباترا، لكن يُعتقد أن التسمية جاءت في العصر الروماني، نتيجة لنشاط كليوباترا السياسي الواضح في السياسة الرومانية في ذلك العصر.

ثامناً: مسلة لندن

 

في عام 1801 انتصر اللورد نيلسون في معركة النيل، وتمكن من هزيمة الجيش الفرنسي بقيادة "نابليون بونابرت"، هنا قرر الوالي العثماني "محمد علي" باشا، إهداءه رمزاً كبيراً تكريماً علي هذا الانتصار، فوقع اختياره علي مسلة كليوباترا الثانية، وبالفعل أبلغ حاكمه بمدينة الإسكندرية بذلك، ولكنها ظلت في الميناء حتي عام 1887، حين وافق السير "وليام جيمس ايراسموس ويلسون" علي تحمل نفقات نقلها إلي بريطانيا بمبلغ وصل إلي 10 آلاف جنية إسترليني، وكان مبلغا كبيرا جدا في ذلك الوقت، وكانت المسلة موجودة بالأساس في الإسكندرية لفترة تزيد علي ألفي عام.

 

وفي صبيحة 21 يناير 1888 وصلت مسلة كليوباترا إلي العاصمة البريطانية لندن، ووضعت بجوارها أسدان فرعونيان علي هيئة أبو الهول، وفي 4 سبتمبر 1917 وخلال الحرب العالمية الأولي، أصيبت المسلة بضرر نتيجة سقوط قنبلة من طائرة ألمانية قرب المسلة وظل الضرر موجودا حتي الآن.

تاسعاً: مسلة الكونكورد

 

"رمسيس... قاهر كل الشعوب الأجنبية، السيد على كل من لبس تاجاً، المحارب الذي هزم الملايين من الخصوم والأعداء، والذي خضع العالم كله لسلطانه، ومعترفاً بقوته التي لا تُقهر"... ذلك النص الهيروغليفي المكتوب علي المسلة المصرية التي مازالت تتوسط ميدان "الكونكورد" الفرنسي حتى الآن، تقف شامخة دالة علي عظمة حضارة ذلك الشعب.

 

في عام 1833 قرر الوالي محمد علي باشا إهداء فرنسا تلك المسلة، التي تعود إلى الملك رمسيس الثاني الذي شيدها أمام معبد الأقصر، ونقلها الفرنسيون إلى باريس، وأقامها المهندس الفرنسي "ليباس" في وسط ميدان "الكونكورد" بباريس في احتفال صاخب في أكتوبر 1836، وكان قد وصل فرنسا ثلاث مسلات أخري قبل مسلة رمسيس الثاني،  واحدة تتوسط ساحة الونتابلو، انتقلت مع نابليون أثناء الحملة الفرنسية، والثانية في فنسان، والثالثة في أرل، وتقل جميعها من الناحية التاريخية وفي الحجم عن مسلة رمسيس الثاني.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية