تحفة فنية تمتزج فيه كل الفنون الإسلامية

"متحف محمد علي بالمنيل" .. عرش الأمير الذي لم يحكم مصر

تحفة معمارية أثرية، تحمل مزيج بين العديد من الفنون الإسلامية المتنوعة، كالفن الفاطمي والمملوكي والعثماني والأندلسي والفارسي وكذلك الفن الشامي، واليوم أصبح من أفضل المتاحف الذي يتردد عليه الزائرين بصفة دائمة، سواء للسياحة أو لإقامة الحفلات وورش العمل.

 

"قصر الأمير محمد علي المنيل" .. ذلك المتحف الأثري، الذي يقع بقلب مدينة القاهرة الكبرى، بشمال جزيرة الروضة، بين محافظتي القاهرة والجيزة، ويطل علي فرع صغير من نهر النيل، أمام أشهر مدارس الطب في مصر، والتي تعرف باسم "القصر العيني"، شيده الأمير "محمد علي"، الابن الثاني للخديوي "توفيق"، وشقيق الخديوي عباس حلمي الثاني، والذي شغل منصب ولي العهد لثلاث مرات، كما أنه كان أحد ثلاثة أختارهم الملك "فؤاد الأول" في وصيته ليتولى عرش مصر، إلا أن إبن عمه "الملك فاروق" تولي العرش بعد إتمامه السن القانوني.

شيد القصر علي مساحة تقدر بنحو 61 ألف متر مربع، منها حوالي 5000 متر من المباني، بما فيها مبني السرايات نفسه، اشرف علي بنائه بعد أن إختار موقعه الأمير محمد علي نفسه، بل أنه وضع جميع تصاميمه الهندسية، وحرص علي يمزج زخارفة بمختلف الفنون الإسلامية، كالفن الفاطمي والمملوكي والعثماني، ثم بدت عملية البناء عام 1901 ميلادية، وقام بتنفيذه المعلم "محمد عفيفي"، بعد ذلك اشتراها عام 1902 من العائلة الملكية لتصبح ملكية خاصة له.

بدأ الأمير محمد علي في بناء السراي الأولي لتكون مقراً لإقامته، بعد ذلك أكمل باقي السراي لتضم أثنين آخرين، الأولي سراي للاستقبال، والثانية سراي العرش، ثم قام ببناء مسجد ومتحف خاص، ومتحف الصيد، وبرج للساعة، وكل هذا بداخل سور كبير شيد علي طراز حصون القرون الوسطي، وباقي مساحة القصر داخل الأسوار التي تصل مساحتها نحو 34 ألف متر خصصت لحديقة القصر، وتضم عدد نادر من الأشجار والنباتات قام بجمعها من جميع أنحاء العالم، كالصبار والتين الهندي والنخيل الملكي ذي الجذوع البيضاء والبامبو والفيكس.

أما عن سرايات القصر نفسها، فالسراي الأولي خصص للإقامة، وهي أول المباني التي تم تشييدها لتكون مقراً رسمياً للإقامة، عبارة عن طابقين، الأولي يحتوي علي مجموعة من القاعات، كبهو النافورة، وحجرة الحريم، والتي خصصها لأمه وزوجاته وبناته، وحجرة صالون أزرق، وحجرة صالون الصدف، وحجرة للطعام، وحجرة للمدفئة، ومكتب، وحجرة للمرايات، وتختلف من قاعة لأخرى من حيث الزخارف ومقتنيات التحف، ومفروشات من أثاث وسجاد وصور ولوحات ومجوهرات، كما أنها تحتوي علي أنواع متعددة من البلاط القيشاني التركي، بالإضافة إلي برج يمكن سكان السراي من رؤية أهم معالم القاهرة والجيزة.

السراي الثانية هي "سراي الاستقبال"، خصصت لاستقبال الضيوف الرسمية بداخلها، وتحتوي علي تحف نادرة ومتعددة، من سجاد وأثاث ومناضد عربية مزخرفة، وشيد من طابقين هي الأخري، الأول يحتوي علي حجرة التشريفة لإستقبال كبار رجال الدولة والسفراء، وأخري لاستقبال كبار الأئمة والمصليين بمسجده الموجود داخل القصر، أما الطابق الثاني فيضم قاعة كبيرة صممت علي الطراز المغربي التي كسيت جدرانها بالمرايات والقيشاني، وقاعة أخري صممت علي الطراز الشامي، حيث كسيت جدرانها بالكامل بأخشاب مزخرفة بالنباتات الملونة وآيات قرآنية وأبيات من الشعر.

السراي الثالثة "سراي العرش"، الطابق الأول منه عبارة عن قاعة واحدة كبيرة، يستقبل فيها محمد علي ضيوفه في المناسبات والأعياد، وبها طاقم خشبي الكنب والكراسي المذهب والمكسو بالقطيفة، ولوحات كبيرة من بعض حكام مصر من أسرة محمد علي باشا، بالإضافة اللي لوحات لبعض المناظر الطبيعية من القاهرة والجيزة، أما الطابق الثاني فيضم قاعتين للجلسات الشتوية، وحجرة تتضمن مقتنيات "إلهامي باشا" جد الأمير محمد علي من أمه، ويطلق عليها حجرة "الأوبيسون"، حيث جميع جدرانها مغطاة بنسيج الأوبيسون الفرنسي.

"متحف الصيد" .. أنشأ هذا المتحف عام 1963 ميلادية، ويضم عدد من مقتنيات الملك فاروق والأمراء محمد علي ويوسف كمال، تلك المقتنيات عبارة عن حيوانات وطيور وفراشات محنطة يصل عددها نحو 1180 قطعة، بالإضافة إلي هيكل عظمي لجمل وحصان كانت توضع عليها كسوة الكعبة أثناء سفرها من مصر إلي أرض الحجاز، كذلك عدد من الجماجم وأدوات الصيد وتحف أثرية وبعض لوحات.

 

ويضم القصر قاعة تسمي "القاعة الذهبية"، كانت تستخدم في إقامة كل الاحتفالات الرسمية الذي كان يقيمها محمد علي، والذي قام بنقلها من منزل جده "إلهامي باشا" الذي شيدها في الأساس لتكون واجهة استقبال مشرفة أثناء مقابلة السلطان "عبد المجيد الأول" لتكريمه بعد انتصاره علي الإمبراطورية الروسية في مدينة "حرم القرم"، وعلي الرغم من خلوها تماماً من التحف، إلا أنها تعتبر تحفة فنية، حيث نُقش علي جدرانها عدد من الزخارف النباتية المطلية بالذهب الخالص علي طراز الركوكو العثماني، وأعمدتها علي شكل نخيل ذات لمسة مصرية، لذا أطلق عليها هذا الاسم.

كما يضم المتحف "برج الساعة" والذي شيد علي النمط الأندلسي والمغربي، ومكتوب عليه نقوشاً بالخط الكوفي، وكانت تستخدم في المراقبة وإرسال رسائل بواسطة النار ليلاً والدخان نهاراً وقام بإضافة ساعة كبيرة بعقارب علي هيئة أفاعي، أما "المسجد" فشيد علي الطراز العثماني، ويحتوي علي إيوانين، الأول بالناحية الشرقية علي شكل قباب صغيرة من الزجاج الأصفر بها حلي، أما الغربي فيحتوي علي زخرفة شعاع الشمس، والمنبر والمحراب مصممان بالذهب، وكسيت جدرانها بالقيشاني علي بعض منها نقوش وكتابات.

 

أما عن "المتحف الخاص" .. فيقع في الجهة الجنوبية من القصر، ويتوسطها حديقة صغيرة، يوجد داخلها مجموعة نادرة من المخطوطات العربية والسجاد ولوحات زيتية لبعض أفراد أسرة محمد علي، ولوحات لمناظر طبيعية وتحف زجاجية كريستالية ومعدنية، كذلك مجموعة من أدوات الكتابة والمفروشات والملابس والشمعدان والأثاث.

يحتوي المتحف علي خمسة عشر قاعة، كل قاعة خصصت لنوعية محددة من التحف، الأولي تضم المخطوطات والتفاسير القرآنية ولوحات مزخرفة بالنباتات والطيور، والثانية تضم الأدوات الكتابية المصنوعة من البوص والعاج ومعدن بالإضافة إلي مقصات ومحابر، والثالثة تتضمن المفارش والمناديل الحرير، والرابعة تضم الأسلحة البيضاء والنارية، والخامسة تضم أنواع مختلفة من السجاد، والسادسة فتضم فناجين الشاي والأكواب والدوارق والزهريات، والسابعة تضم مجموعة أنسجة السيرما وسجادة مصمم على شكل ليرة تركية، والثامنة تضم مجموعة من نماذج الأزياء التركي، بالإضافة إلي الأحزمة الحريمي المطعمة بالياقوت والمرجان والكهرمان.

أما القاعة التاسعة فتضم فترينة هرمية تحتوي علي متعلقات خاصة للأمير، بالاضافة الي هداياه التي حصل عليها من ملوك العالم، والعاشرة تضم مجموعة من أواني ومتعلقات فضية وزهريات وشمعدان، والحادية عشر تضم صوان بداخلها أواني من البورسلين المختلفة من حيث الشكل والحجم كذلك سجاد صغير، والثانية عشر قاعة صيفية معلق علي جدارها مجموعة من رؤوس أسود رخامية بالجهة الجنوبية الغربية، وبالجدار المقابل لها شرفة زجاجية ملونة بعرض الحائط، والثالث عشر تضم تحف معدنية، أما الرابع عشر والخامس عشر فتضم أوان وأطقم شاي و قهوة من البورسلين مزخرف بنباتات ملونة.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية