بمساحة تصل إلي 336 ألف مترمربع

حديقة الأزهر: توليفة طرز أندلسية فاطمية مملوكية في قلب القاهرة

قبل 37 عاما، وتحديدا عام 1984، كانت البداية الحقيقة التي قلبت موازين تلك البؤرة من مدينة القاهرة، لتتحول إلى واحة في قلب الكتل الخراسانية لمدينة القاهرة، فـ"حديقة الأزهر"، والتي تُعد أكبر حدائق القاهرة الكبرى، وواحدة من أكبر وأجمل حدائق العالم، تبلغ مساحتها 336 ألف متر، أي ما يعادل 80 فدانًا، يحدها من الشمال شارع الأزهر ومنطقة الجمالية، ومن الجنوب قلعة صلاح الدين الأيوبي ومسجد السلطان حسن، ومن الشرق مقابر أمراء المماليك، ومن الغرب سور القاهرة الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي، ومنطقة الدرب الأحمر التي تضم مجموعة من الأثار الإسلامية من عصر الفتح الإسلامي إلى العصر الحديث.  

 

ورغم أن حديقة الأزهر تطل على أغنى مناطق العالم الإسلامي بأثاره المليئة بالفنون والعمارة الإسلامية، إلا إنها ظلت تحوي الكثير من الأنقاض التي تراكمت بفعل حركة التطوير والبناء بالقاهرة، فكانت مستودع متخصص لمخلفات سكان القاهرة على مدار أكثر من خمسة قرون من الزمان.

 

في عام 1984، وأثناء زيارة البريطاني ذو الأصل الباكستاني الأمير كريم الحسيني، والملقب دينيًا وسياسيًا بـ"الأغا خان الرابع"، إلي مصر، وذلك لحضور مؤتمر خاص بمؤسسة أغا خان للتنمية، والتي تقوم بتمويل المدن التاريخية، هاله ما رآه حينما كان يقف أعلي أسوار القلعة، فموقع الحديقة كان يبدوا بما تحمله من قمامة ومخلفات وكأنه بؤرة شاذة وسط معالم القاهرة الأثرية، ولأنه الرئيس الروحي لمؤسسة أغا خان العالمية للتنمية، فقد اقترح بتنظيف هذه المساحة وتحويلها إلى واحة خضراء جميلة تكسوها النباتات والنخيل.

 

وفي عام 1996، تعاقدت مؤسسة أغا خان للتنمية مع شركة سايتس انترناشونال للاستشارات الهندسية والتي تقوم بتخطيط المدن، وقام بتصميم الحديقة الزوجين المصريين المهندس ماهر استينو، أستاذ التخطيط والدراسات البيئية بجامعة ميشيجان الأمريكية، والمهندسة ليلى المصري، أستاذة التصميم العمرانى بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى فريق كامل من شباب المهندسين، ليبدأ العمل عام 1998، ليتم إفتتاح الحديقة في مارس من العام 2005، وبتكلفة بلغت نحو 30 مليون دولارًا أمريكيًا.

 

وفقًا للمُخطط العام لحديقة الأزهر، فقد راعي المهندس ماهر استينو وزوجته وفريق عمله تناغم خطوطهم مع طبيعة المنطقة، بحيث لا يتدخل في درجة ميل الأرض أو ارتفاعها، وهذا ليس جديدا على فنون العمارة الإسلامية، وإنما الفكرة مستوحاة من طُرز الحدائق الإسلامية التي تعتمد على الطبيعة، كما كان في الحضارة الأندلسية، بينما أماكن الجلوس المظللة التي يطلق عليها "التختبوش"، والطرق المغطاه التي تسمى بـ"البواكي"، فتأخذ النمط الفاطمي، كما يظهر جليا النمط الفارسي في سلسلة النوافير المنتشرة في الحديقة، بالإضافة إلى الأعمال الحجرية متعددة الألوان التي تعكس الذوق المملوكي، والحدائق الغارقة والممرات المائية المتقاطعة، لتلتقي توليفة الطرز المعمارية الإسلامية بشكل جريئ في موقع وزمن معاصر.

 

لم يكن العمل في تلك المنطقة سهلًا كما يعتقد البعض، فقد واجه فريق العمل الكثير من الصعوبات، والتي تمثلت في أكثر من 80 ألف طن من الأنقاض والمخلفات، وأقيمت الحديقة فوق المتبقى منها، كما بدأت أعمال الحفر والتسوية والاستبدال بالردم المناسب، فخرج من المتنزه أكثر من 765 ألف متر مكعب من الحطام، واستخدم 160 ألف متر مكعب لردم أماكن أخرى بالموقع، وتعرض 605 ألف متر مكعب للغربلة والغسيل، وخلطها بـ60 ألف متر مكعب من الرمال الخالصة والتربة السطحية، لتغطية الموقع كله بطبقة من التربة الجيدة تصل عمقها إلى نصف متر في بعض المواقع، ومتران في مواقع أخرى.

 

أثناء أعمال الحفر بحديقة الأزهر أكتشف العمال كشف أثري، حيث تم الكشف عن سور وأبراج الأيوبيين، كما ظهرت بوابتين من أبواب القاهرة وهما باب البرقية وباب المحروق، وأثناء العمل أكتشف المصممون أن الحكومة تريد تركيب ثلاث صهاريج لتحسين إمداد القاهرة بمياة الشرب، مما أضطرهم لوقف العمل، حتى يتم وضع هذه النماذج بطريقة غير مشوهه، والحديقة مقسمة بشكل أساسي إلى خمسة أقسام وفقا لميل المنحدر، حيث يوجد تلان أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب، وتضاريس متدرجة في الشرق، ومنطقة مسطحة في الشمال، وشديدة الانحدار في الغرب.

 

أما عن النباتات التي تم اختيارها، فقد تم إجراء العديد من الاختبارات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك لإختيار نوع النباتات التي ستناسب طبيعة التربة والمناخ، وأثبتت الدراسات الكثيرة من النباتات والأشجار التي يمكن أن تلائم الحديقة، لذا يوجد بالحديقة النباتات الصحراوية الجافة، بجوار النباتات الخضراء على المنحدرات الغربية، بينما في وسط الحديقة نجد أشجار الظل، كما زرعت أشجار محلية وغربية مثل الجميز والعناب، وأشجار السنا والصفيراء والأشجار اليابانية، بالاضافة إلى الأعشاب الطبية التي تتضمن الغار والبابونج والنعناع والليمون والزعتر والجهنميات ذات الألوان المبهرة.

 

تتمتع الحديقة بشبكة من الطرق المتعرجة، والتي تصل إلى جميع المستويات المتدرجة في الحديقة، وتسمح بعبور السيارات، كما تتمتع بشبكة طرق للمشاة مرسومة بشكل دورانات مريحة تصل إلى جميع أنحاء الموقع، كما توجد ملاهي خاصة بالأطفال، ومطعمين أحدهم مصمم على الطراز الفاطمي، وآخر على ضفاف البحيرة الصناعية التي تبلغ مساحتها 600 متر، ليستمتع الزائر بالطعام على نغمات سيمفونية الشلالات الهادئة.

المصادر:

 

  • ديدي فيرتشايلد راجلز، دراسات في هندسة المناظر الطبيعية، الحدائق الإسلامية والمناظر الطبيعية، مطبعة جامعة بنسلفانيا 2008، صفحة 168.
  • ألسا صوفي أوديل بورغينيون، آليات التدهور والمعالجات الوقائية للحجر الجيري المصري في سور المدينة الأيوبية بالقاهرة ، مقدمة في كليات جامعة بنسلفانيا ، ماجستير علوم ، 2000.
  • خالد الخشن، حديقة الأزهر بالقاهرة: أهداف الألفية التنموية محفورة باللون الأخضر، مجلة المعهد الماليزي للمخططين 2006، مجلة المعهد الماليزي للمخططين 2006.
  • الموقع الرسمي لمؤسسة أغا خان للتنمية: https://www.akdn.org/ar/press-centre
  • الموقع الرسمي للهيئة العامة للإستعلامات: https://www.sis.gov.eg/Story/115980/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1?lang=ar

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية