عاش قبل أكثر من تسعة آلاف عام

إنسان شيدر: جد البريطانيين الأسمر ذو العيون الزرقاء

"وجوه بيضاء، وشعر أشقر، وعيون ملونة".. كان هذا الوصف هو الاعتقاد الراسخ في أذهان علماء الأجناس البريطانيين عن الطبيعة المتوقعة لأجداد الإنجليز الأوائل، مؤسسي بريطانيا، إلا أن كشفا أحفوريا واحدا غير هذا الاعتقاد إلى النقيض تماما، وذلك عندما أُكتشف العلماء هيكلًا عظميًا بشريًا منذ 118 عام، وتحديدا عام 1903 ميلادية، داخل كهف غوف، والتي تقع على تلال المينديب، في شيدر سومرسيت بإنجلترا، لذا أطلق عليه العلماء "إنسان الشيدر"، والذي يُعد أكثر الهياكل الحفرية التي اكتشفت اكتمالا، ويعرض في معرض التطور البشري الدائم في متحف التاريخ الطبيعي.

 

"إنسان شيدر".. هيكل لإنسان يبلغ من العمر حوالي عشرين عامًا، يبلغ طوله 166 سنتيمتر، عاش في العصر الحجري المتوسط أو الميزوليتي Mesolithic، أي منذ ما يقرب من 9100 سنة مضت، لذا يُعد هذا الهيكل أقدم هيكل عظمي لبشري وجد في بريطانيا، ويبدو من الهيكل أن ذلك الشاب قد قُتل بضربة عنيفة على الرأس، تلك الضربة تركت ما يشبه الحفرة علي الجانب الأيمن من الجمجمة، وحتي اليوم لم يتمكن العلماء من معرفة إذا كان قد قُتل داخل الكهف أم خارجه، خاصة وأن كهف غوف يمتلئ بالكثير من الأشلاء البشرية، ما يدل على أنه كان ملجأ لأكلي لحوم البشر، أو مقبرة جماعية.

وفي عام 1996، أجرى البريطاني بريان سايكس أستاذ علم الوراثة بجامعة أكسفورد فحصا للحمض النووي للهيكل البشري، والذي استخرجه من أحد أسنانه، وقد أثبت الفحص أن إنسان شيدر ينتمي إلى هابلوغروب U5، وهو فرع من الميتوكوندريا هابلوغروب U، وهو عبارة عن كروموزوم بشري يمكن من خلاله تتبع الصفات المتوارثة عن الآباء والأجداد، وبالتالي تحديد السلالة والنسل، وهذا الكروموزوم كان يسود في إنسان العصر الحجري الأوسط.

وقد قام سايكس بمقارنة الحمض النووي للهيكل، بالسكان الذين يعيشون في قرية شيدر، فأخذ عينة من 20 رجلا، وكانت النتيجة أن من بينهم رجلين يحملان نفس الحمض النووي لإنسان شيدر، وربما هذا يرجع إلى أن 10% من الأوروبيين ينتمون إلى هابلوغروب U5، فلم يجد العلماء مفرا من وصف إنسان شيدر بأنه أول بريطاني حديث يسكن الجزيرة، وأن المجموعات البشرية التي سبقته تم القضاء عليها بالكامل، بحيث ينحدر البريطانيون المعاصرون لذلك الإنسان.

كانت المفاجأة عندما أعاد العلماء بناء صورة كاملة لإنسان شيدر، اعتمادا على تحليل الحمض النووي، لتحديد شكل أجداد الإنجليز، فظهر داكن البشرة يميل إلى السواد، بل أقرب إلى الزنوج، وإن كانت عينيه زرقاء، وهذا ما لم يتوقعه العلماء على الإطلاق، فكل الدراسات القديمة كانت تثبت أن الأماكن الباردة يجب أن يسودها أصحاب الجلد الأبيض، لأنه قادر على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، إلا أن إنسان شيدر يملك صفات وراثية لصبغة سوداء تتواجد عادة في شعوب أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

منذ ذلك الوقت، زادت أهمية إنسان شيدر لدى المؤرخين والعلماء الذين يدرسون كيفية ازدحام الجزر البريطانية، فهذا البحث الجديد يؤكد بعض السمات الأساسية والغير متوقعة حول أصول الشعب البريطاني، حتى أن توماس كولي أستاذ جامعة لندن UCL، ذكر أن 10% من جينات البريطانيين تأتي من قوم الصيادين الذين يعودون إلى العصر الحجري المتوسط، وأن البشرة الفاتحة للبريطانيين المعاصرين قد تعود إلى الهجرات البشرية التي جاءت من تركيا والهند.

المصادر:

 

  • بوابة متحف التاريخ الطبيعي بلندن

https://www.nhm.ac.uk/visit/galleries-and-museum-map/human-evolution.html

  • وولفجانج هاك، بيتر فورستر، باربرا برامانتي، شويتشي ماتسومورا، وأخرون، دراسة: الحمض النووي القديم من المزارعين الأوروبيين الأوائل في مواقع العصر الحجري الحديث التي يبلغ عمرها 7500 عام، مجلة العلم Science، يوليو ٢٠١٥.
  • بريان سايكس، دم الجزر: استكشاف الجذور الجينية لتاريخنا القبلي، بريطانيا، أيرلندا، الطبعة الأولي 2006.
  •  سيلفيا إم بيلو، سيمون إيه بارفيت، كريس سترينجر، أقدم كؤوس جمجمة بشرية مؤرخة مباشرة، مجلة PLoS ONE، المكتبة العامة للعلوم، سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الامريكية، المجلد 6، العدد 2، 2011.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية