"حياه حشره"

استغلتها والت ديزني: "حياة حشرة".. طفرة "نظرية الأعداد" في عالم الرسوم المتحركة

لولا تبسيــــــط العلوم ما كانت هناك تكنولوجيا "حيـــاة حشــــرة".. لولا كتاب رياضيات "مبســــط" عن الأعداد ما كانت هناك تكنولوجيا الرسوم المتحركة الحديثة، وما ظهرت شركه بيكســــار العالمية للصور المتحركة في ثلاثة أبعاد.

 

هل تذكرون أفضل أعمال والت ديزني "حياه حشره" والتي خرجت إلي النور في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام 1998، من منا لا يتذكر "فليك" تلك النملة الذكية، بطل الفيلم الذي قرر ‏الرحيل عن مستعمرة النمل والذهاب بعيداً بحثاً عن حشرات مقاتلة لمقاومه سيطرة ‏الجراد الشرير عليهم، وللتخلص من متاعب اختراعاته وابتكاراته غير المجدية، وافق مجلس حكماء النمل علي فكرته المجنونة، ومن منا لا يتذكر "هبار" زعيم عصابة الجراد الأشرار، تلك التوليفة التي صنعت لنا "حياة حشرة".

 

الحقيقة التي يجب أن ندركها جيداً أن "حياة حشرة" أضحي علامة تكنولوجيه فارقه ومذهله، ما بين عصر الرسوم المتحركة البسيطة، والرسوم ‏المتقدمة، والسبب في ذلك يعود إلي كتاب رياضيات تمت كتابته بشكل "مبسط" لأول مره عن علم الأعداد.

القصة بدأت عندما كان "إدوين كاتمول" يستمتع بمشاهده أفلام الصور المتحركة التقليدية "الكارتون" يوم أجازته المدرسية من كل أسبوع، عشقه لتلك النوعية من الأفلام جعله يحلم بتطويرها ليزداد استمتاعه حينما يكبر في العمر، وبعد سنوات ليست بالطويلة حصل علي درجه علميه في الفيزياء، ثم درجه علميه آخري في الحاسب الآلي، ثم تفرغ بعد ذلك لاستخدام تلك العلوم في تطوير استخدام الصور ‏الكارتونية التقليدية، فقد كان يري إنها ليست بالجاذبية الكافية لإمتاع المشاهدين، علي الأخص الأطفال منهم، كما أنه لم يشعر أنها حقيقية، ما أفقده شعوراً بالاندماج والاقتناع والإثارة.

 

طيلة سنوات طويلة فشلت جميع محاولات "إدوين" في وضع الظل في حروف مئات من السطوح والمنحنيات بالصور المستخدمة، في محاولة منه لمنح تلك الصور بعض الحياة التي تقنع المشاهد، خاصة وأن تلك السطوح والمنحنيات المستخدمة غير منتظمة، وللخروج من تلك الحالة من الفشل، بدء "إدوين" يفكر في آلية لعمل دوران وتحريك المئات من تلك السطوح والمنحنيات علي شاشه الحاسب الآلي، ثم بدأ في استخدام ما يعرفه من علوم البرمجة، وقام باللعب علي تلك السطوح والمنحنيات والقيام بدورانها بدرجات متفاوتة لصناعة الظل المطلوب، أملاً في أن تدب الحياة ‏الوهمية في تلك الصور المتحركة.

 

عكف "إدوين" كثيراً بحثاً عن الأدوات التي يمكن أن تساعده على تسريع تلك العمليات، فشل علي مدار سنوات، تعاظمت أفكاره، حتي ‏أدرك أخيرا ضرورة استخدام سطح يعتمد علي الأعداد التي يلقبها العالم الأكاديمي، وهي الأعداد المعقدة، أو ما يسمي بالأعداد المركبة، أو الأعداد الخيالية، ورغم أن "إدوين ‏كاتمول" تخرج من جامعه "يوتا" الأمريكية الكبري، وحاصل علي درجتين في علوم الفيزياء والحاسب، ورغم عظيم خبراته العلمية والعملية في ‏شركه بوينج العالمية للطائرات، إلا انه لم يكن يفهم حقيقة ومغزى الأعداد المعقدة نهائيا.

كل المعطيات السابقة أدت إلي تعطيل نجاحه سنوات، وفي أحد الأيام كتب بحثاً مُبسطة في محاولة جادة لفهم غموض السطح الذي يتعامل مع تلك الأعداد المعقدة، جاءت في 18 صفحه، لم يبُالي بعبارات السخرية من الآخرين، لم يلتفت إلي كل أكاديمي قال له نصاً: "هذا سخيف"، كان يشعر أن السر يكمن في فهم "الأعداد المُعقدة"، كان يري أن لفظة "مُعقدة" كانت السبب في تضليل التلاميذ والطلاب والباحثين، أرهبت اللفظة معنوياتهم ونفوسهم وعقولهم في تقبل علوم "الأعداد"، رغم أن الجميع كان يدرك أن لفظة "مُعقدة" تم وضعها دون سبب مقنع.

 

الملفت للنظر والمُضحك في نفس الوقت، أن علماء الرياضيات حول العالم يدركون جيداً أنه لا يوجد ما يسمي بالأعداد المُعقدة، كما أنه لا توجد أيضا أعداد غير مُعقده، وأن لفظة "مُعقدة" جاءت بسبب أخطاء تاريخيه تراكمية عبر مئات السنين من التعامل مع هذه ‏الأعداد، وأن المجتمع الأكاديمي لم يتمكن من حذف تلك اللفظة حتي انتهي الأمر بأن أصبحت واقع مرير، فتمكنت من زرع الرهبة داخل نفوس الباحثين والمُفكرين الأكاديميين، وكان من الطبيعي أن يغمر الإحباط "إدوين كاتمول" إثر فشله في فهم وتناول الأعداد المعقدة، رغم قراءته لعشرات الكتب المتخصصة في علم ‏‏تحليل الأعداد المُعقدة، ولكن القدر كان رحيماً به.

ذات صباح، وبينما كان "إدوين كاتمول" يتفقد إحدي المكتبات، وقع بين يديه كتاباً في غاية الأهمية، يحمل إسم "تصوير الأعداد المُعقدة"، للدكتورة "تريستان نيدهام"، أحد أهم علماء الرياضيات في العالم، والغريبة أنه يحوي مضموناً مُبسطاً لعلم الأعداد المُعقدة، ومئات الصور الشارحة له، وكما هي العادة عكف "إدوين" علي التهام ذلك المرجع بالغ الأهمية، والذي من خلاله فهم تلك الفكرة "المُعقدة" بشكل مُبسط، ما مكنة فيما بعد من إحياء  تكنولوجيا الصور المتحركة، وما أهله للنجاح في استخدام الأعداد المُعقدة في معالجه الصور المتحركة، وصنع أعظم ‏الأفلام المتحركة في التاريخ المعاصر، فمن فيلم "حياه حشره" الي "شركه المرعوبين المحدودة" حتي "حكاية لعبة "، وصولا إلي ‏"‎الديناصور اللطيف و‎‎"‎الخارقون" و"البحث عن نيمو"، وكل ما نعرفه الآن عن التصوير الثلاثي الأبعاد للرسوم المتحركة.

 

مرت السنون والأعوام وأصبح "إدوين كاتمول" المسئول الرئيسي للتقنية, في شركة بيكسار، بل وأصبح احد الأسماء الكبيرة في هوليوود، واستطاع أن يصنع ثوره في عالم التكنولوجيا الرقمية لتركيب الصور المتحركة، كل هذا بفضل كتاب علمي مبسط في أم العلوم، الرياضيات.

 

 ‏

باحث في علم الرياضيات المتقدمة

جامعة كامبريدج البريطانية

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية