"الإوز الفرعوني".. استأنسه المصريين وقدسوه في المعابد منذ 6600 سنة

طائر عدواني، ولكنه لم يستعصي علي المصريين، تمكنوا من استئناسه منذ أكثر من 6600 سنه مضت، بل أنهم رفعوه لأعلي مكانه يمكن أن يصل إليها كائن حي علي سطح الكره الأرضية، فنقشوا صوره علي معابدهم ومقابرهم ليقدسونه، حتي أنه أضحي رمزاً دينياً مقدساً، ورمزا لغوياً للكتابة المصرية الهيروغليفية.

 

"الإوز المصري".. قد يكون النوع الوحيد من الإوز الذي يتزاوج في مصر، قديما احتل مكانه خاصة المصريين القدماء، ظهرت مشاهد تربيته منذ عصور الدولة القديمة وحتى عصر الدولة الحديثة، حيث عرف المصري القديم الإوز والبط ونوع أخر من الدواجن يسمى دجاج "الغرغر" أو الدجاج الفرعوني، وقد جاءت نقوش لوحة "ساحة القتال"، والمحفوظة بمتحف "أشوليان" بمدينة أكسفورد البريطانية، والتي تعود إلي أواخر عصر ما قبل الأسرات، لتُظهر لنا تلك الطيور.

 

وتُعد لوحة "إوز ميدوم" التي لقبها بعض العلماء بـ"موناليزا" الفن المصري، والتي ترجع لعصر الأسرة الرابعة في عهد الملك سنفرو سنة 2600 قبل الميلاد، أكبر دليلا على أن المصري القديم استطاع أن يميز بين عدة أنواع من الأوز، حيث تظهر اللوحة 6 أنواع منها.

كما توضح بردية هاريس وهي واحدة من أطول برديات مصر القديمة، التي تعود إلى الأسرة العشرين، وتحديدا في عهد الملك رمسيس الثالث الذي حكم مصر في الفترة ما بين سنة 1183 إلى 1152 قبل الميلاد، أن المصري القديم استطاع أن يستأنس أنواعا كثيرة من الإوز والطيور المختلفة منذ عصر الدولة القديمة،  فقد ذكرت البردية أن مئات الآلاف من الطيور أهديت إلى المعابد، وتشمل الطيور التي ذكرتها البردية  57810 حمامة, 25020 طيوراً مائية أغلبها من الأوز والبط، و160 طائراً كركياً، شملت ثلاثة أنواع, باللإضافة إلي 21700 طائر سمان.

 

أما عن موطن الإوز المصري، فقد كشفت الدراسات عن انتشاره في نطاق واسع في القارة الأفريقية، وإن كان لا يعيش في الصحاري والغابات الكثيفة، وإن نطاق استيطانه لا تخرج عن وادي النيل، وجنوب الصحراء، فقد أنتشر في القارة السمراء منذ استأنسه القدماء المصريين، حتى أنه أصبح طائر شعبي تقوم النساء بتربيته بهدف أكله، ولا ينجو هذا الطائر إلا في غرب أوروبا، لأنه مازال طائر بري بها لم يستأنس بعد.

يعيش الإوز في مجموعات صغيرة، ولكن عند اقتراب موسم التزاوج ينقسم إلى أزواج، يبنى أعشاشه على الأرض أو في حفر أو في ثقوب الأشجار الكبيرة في الحدائق، وتقوم الأنثى ببناء العش من أوراق الشجر  والقصب والعشب، وتبيض الأنثى من 5 إلى 10 بيضات، ويقوم الأبوان باحتضان البيض بالتناوب، حتى يفقس، ثم يقوما برعاية صغارهما حتى يستطيعوا الاعتماد على أنفسهم، وعادة ما يستمر زواجهما طوال العمر.

 

والإوز المصري من فصيلة الإوزات، وهو من الطيور البرمائية، فيرعى في البر، وفي المياه سباح ماهر، وكلا الجنسين متماثلين في لون الريش، وإذا امتلك أحدهما ريشا بلون مختلف فيكون ذلك بشكل طبيعي، ولا علاقة له ببلوغ الطائر أو بجنسه أو بموسم التزاوج كما هو الحال في كثير من الطيور الأخرى، ولا يوجد إختلاف بينهما سوى في الحجم، فالذكر عادة ما يكون أكبر من حجم الأنثى قليلا.

يأخذ الجزء الأكبر من أجنحة الإوز الفرعوني اللون الأبيض، وإن كان لا يظهر إلا عندما تميل على صغارها، أو في حالة الطيران، أو التشاجر مع طائر آخر، ويمكنك أن تفرق بين الذكر والأنثى من خلال الصوت فقط، فالأنثى صوتها أرق من الذكر، رغم ذلك تصنع ضجيجاً صاخباً لا يتوقف في حالة العراك، والإوز الذكر يستميل الأنثى إليه بصوته الأجش، ومد رقبته إلى الأمام، مع عرض مستمر لريشه.

 

ويتغذى الإوز المصري على البذور والأوراق والأعشاب، وفي بعض الأحيان على الديدان والجراد والحيوانات الصغيرة الأخرى، ورغم الهجوم المستمر عليه بالذبح والصيد، إلا إنه من الطيور الغير مهددة بالانقراض، فهو يتمكن من التواصل في الطبيعة والتكاثر بشكل لا يهدده بالانقراض، بالإضافة إلى أن السيدات التي تقمن بتربيته، يحرصن دائماً على استمرار عملية التكاثر.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية