جماعة وجر وجمر شروط مجالس السمر

"الشاي الموريتاني".. صاغوا من أجلة الأشعار والقوانين

إن كنت من أهل الأدب والمعرفة فأهلاً بك، يسعدنا إخبارك بأنك شخص مرحب به في مجالس الشاي الموريتانية، قد تظن للوهلة الاولي أن الشاي الموريتاني يماثل الشاي العادي في بلد في بلاد الشرق، ولكنه غالبًا سيكون ظنًا من النوع الأثيم، فالشاي الموريتاني له من الصفات، بل والطقوس الخاصة، سواء في طريقة الإعداد، أو حتي في طبيعة احتساءه.

 

منذ قرون طويلة أدرك شعب موريتانيا العريق، والفقير في نفس الوقت، أن الشاي هو المشروب الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وأنه مصدر سعادتهم، فبحفنه ضئلة جدًا من الأموال، يمكن صناعة حفل سمر، أو جلسة أدبية وشعرية يتبارى فيها الشعراء والأدباء، فصاغوا له قانونًا أطلقوا علية قانون "الجيمات الثلاثة"، والتي وضعت بعض الشروط الصارمه، والتي يجب توفرها لجلسة شاي نموذجية.

كيف يضمن قانون الجيمات الثلاث جلسة شاي نموذجية، هذا هو السؤال الأهم، فالجيم الأول يشير إلى الجماعة، أي أن تناول هذا المشروب لا يطيب ولا يحلو إلا باحتساءه وسط مجموعة من الناس، والجيم الثاني يشير إلى الجر، وهو ما يعني طول المجلس لإعطاء الجماعة فرصة للسمر والأحاديث الممتعة الطويلة، والثالث والأخير فيشير إلي الجمر، أي الفحم المستخدم في إعداد الشاي بدلاً من الغاز حتى يعطي المذاق المطلوب، ويساعد الفحم على تحقيق الجيم الثانية، أي يطيل مدة انعقاد مجلس الشاي.

 

الحقيقة ان أهل موريتانيا لم يكتفوا بصياغة القوانين في الشاي، ولكنهم أيضًا نظموا منه أجل أبيات شعر تصف محاسنه، فقد كتب الشاعر الأديب محمد ولد احمد يوره، أتايُنا منْه فمُّ المَرْءِ يَحْتَرِقُ.. قد طابَ سُكَّرُهُ والمَاءُ والورَقُ.. باتَ المُبارَكُ يَسْقِينَا علَى مَهَلٍ.. واللَّهْوُ مُجْتَمِعٌ والهَّمُّ مُفْتَرَقُ.. خِلْتُ الجُمَانَ عَلَى جِبَاهِ فتْيَتَنَا.. كلٌّ تَحَدَّرَ منْ جَبِينُهُ العَرَقُ!، كما كتبت الشاعر الموريتاني أبو مدين الديماني يقول، ألا فاسقني كاساتِ شايٍ ولا تَذَرْ.. بساحَتِها مَنْ لا يُعِينُ علَى السَّمَرْ.. فوقْتُ شَرابِ الشَّايِ وقْتُ مَسَرَّةٍ.. زُولُ به عن قلْبِ شاربِه الكَدَرْ

وفقًا للباحثين، فأن أهل موريتانيا عشقوا الشاي منذ القدم، بل وتفننوا في وسائل تحضيره، وكتبوا أشعارًا تصف جلساته، حتى قيل إنه كان من الأجدر بالشاي أن يظهر في موريتانيا لا في الصين، وقد نشر الباحثون الموريتانيون، وعلي رأسهم الباحث عبدو سيدي محمد، والذي نشر عام 2015، دراسة فريدة من نوعها، تقول إن 99 % من الموريتانيين، البالغ عددهم قرابة أربعة ملايين نسمة، يتناولون الشاي، وان هناك ما يعادل 64.6% يتناولون الشاي أكثر من 3 مرات يوميًا، في حين يتناول 27% الشاي مرتين، و8.4% يتناولونه مرة واحدة.

 

أما عن مجالس الشاي نفسها، فتنعقد في أغلب منازل موريتانيا 3 مرات يوميًا، ويكون نصيب الفرد منها ثلاثة أكواب في المجلس الواحد، تبدأ بالأكثر مرارة وتنتهي بالأقل، ويتكون الشاي الموريتاني من الشاي الأخضر والذي يسميه الموريتانيون "الورقة"، بالإضافة إلى السكر والماء وحزمة النعناع، حيث يتم خلط كمية كبيرة من الشاي الأخضر مع الماء والنعناع قبل إضافة السكر في إبريق الشاي،  ويقدم في أكواب صغيرة، وكلما زادت الرغوة البيضاء أعلي كوب الشاي، كلما دل علي حُسن وطيب صناعته.

وبرغم إجماع الموريتانيون على أهمية الجماعة في مجالس الشاي، إلا إنهم اختلفوا في طبيعة الحضور ومستواهم الفكري والثقافي، فالبعض يرى هذه المجالس مفتوحة ومرحب بعموم الشعب فيها، ولكن البعض الآخر يراها مجالس للنخبة من المثقفين والأدباء وفرصة للمسامرة وتنمية الذوق، ولايحق للعموم التواجد فيها.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية