8 أبواب تحكي قصة قاهرة المعز

بوابات القاهرة: حصن العاصمة الذي يتحدي الزمن

قبل أكثر من عشرة قرون ونصف، وتحديدًا في ستينات القرن العاشر، 966 ميلادية، وبمجرد أن استقر الحكم لجوهر الصقلي، أحاط القاهرة بسور ضخم من الطوب اللبن قد اندثر تماما، يتخلله ثماني بوابات، فحتي عهده، وطبقًا للمؤرخ الامريكي "لويس ممفورد"، كانت الصحراء هي السور الطبيعي لمصر، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة للعاصمة، سواء كانت الفُسطاط أو العسكر أو القطائع، ما يعني أن السور الذي بدأ جوهر الصقلي في بنائه كان ذو ضروره استراتيجية، فقبله لم تعرف المدن المصريه الأسوار عدا بعض المواني والثغور.

 

كان الغرض من أبواب القاهرة تأمين الدولة الفاطمية من أي اعتداء أو خطر خارجي قد يواجهها، وقد أحكم جوهر الصقلي تحصينها بالكامل، حتى أنه حفر خندقًا يحيط بها شمال السور الشمالي، لتتحول القاهرة إلى المدينة المحصنة التي لا يستطيع أحد دخولها، أما عن الأبواب فكانت تنتشر علي طول السور، فهناك بابان في الشمال، وهم بابي الفتوح "باب القبول"، وباب النصر "باب العز"، وبابان في الشرق وهم باب البرقيه "باب الخلاء" أو "التوفيق"، أو "الغريب"، وباب القراطين "باب المحروق"، وبابان غربيان وهم باب القنطرة وباب السعادة وبابان جنوبيان، وهم باب زويلة "بوابة المتولي"، وباب الفرج.

كان من الواضح أن الهدف من ذلك السور وتلك الأبواب، جعل قاهرة المعز ملكية خاصة بالدولة الحاكمة، وذلك علي طريقة بناء كل من "المهدية" و"المنصورية" في تونس، فتكون مدينة خاصة بافراد الأسرة المالكة التي لا يسمح بدخولها إلا لمن في خدمتهم من الموظفين والجند والخدم والحشم، الأمر الذي يتطلب وجود مدينة للعامة من أهل السوق تمثلت في الفسطاط جنوبا، لذا كانت مدينة حصينة تحيط بها الأسوار والأبواب، لتكون حائلا ودرعا واقيا للفاطميين ضد خطر العامة من اهل الفسطاط.

 

وقد أمر أمير الجيوش بدر الدين الجمالي بإعادة بناء سور القاهرة وتوسيع  المدينة عندما استقر فيها في الفترة من 480 إلى 485 هجريا، أي بين سنتي 1087 إلى 1091 ميلادية، وظلت هذه الأبواب تحمي القاهرة على مر العصر، وربما لذلك كانت دائما ما تحظي بالترميم والتجديد والإضافة، بما في ذلك الأسوار والقلاع التي تعلوها، ورغم أهميتها التاريخية كنموذج فريد للتحصينات الحربية الإسلامية، والتي جعلتها تندرج ضمن فنون العمارة الإسلامية الحربية للعصر الفاطمي في مصر، إلا إنه لم يتبقى منها سوى ثلاثة أبواب فقط، هم باب النصر، وباب الفتوح، وباب زويلة.

باب زويلة (المتولي)

 

يشتهر باب زويلة بكونه البوابة التي عُلّق تحتها رؤوس رسل هولاكو قائد التتار حينما أتوا مهددين إلي مصر، كما عُلق علي بابها آخر سلاطين المماليك طومان باي، ويوجد في السور الجنوبي للقاهرة الفاطمية، بني عام 1092 ميلادية، يرجع اسمه إلى قبيلة زويلة، أحد القبائل البربرية التي جاءت مع جيش جوهر الصقلي من الغرب، وكان قديما في السور الأول الذي بناه جوهر الصقلي، ويقع عند زاوية سام بن نوح وسبيل العقادين، وكان يتكون من فتحتين متجاورتين، وعندما أعاد الأمير بدر الدين الجمالي بناؤه أخذ مكانه الحالي الذي يقع على رأس شارع المعز، وأصبح يتكون من فتحة واحدة.

 

يتكون هذا الباب من برجين مستطيلين، حوافها على هيئة أنصاف دوائر، يعلو كل برج غرفة مخصصة للجنود، وفي عصر المماليك الجركسة، زمن السلطان المؤيد شيخ المحمودي، أحدث تعديل على البوابة، فقد استغل البرجين في عمل قاعدتين لمئذنتي مسجده الجامع، كما وضع فوق عقد فتحة الباب مقعدا للمراقبة العسكرية، وعندما أنضمت القاهرة إلى العواصم بسور واحد، استغل هذا المقعد لمراقبة الأسواق، ويؤدي الباب إلى دركاة مربَّعة بفتح نافذتين بذيل البرج الشمالي متصلان بمسجده الجامع، ويعتبر هذا الباب أحد ثلاثة أبواب بقيت من أبواب القاهرة الفاطمية.

بوابه النصر (باب العز)

 

اول الأبواب التي قام ببنائها بدر الجمالي، ويوجد في السور الشمالي للقاهرة، في منتصف شارع المعز، بُني عام 1087 ميلادية، يتكون من برجين كبيرين على شكل مربع، نقشت عليهما بعض الآلات الحربية كالسيوف والتروس، يوجد سلم خلفي داخل الحصن يصل إلى الطابق العلوي للبرجين، هذا السلم يتكون من عامود حجري، يلتف عليه درج بشكل حلزوني، أما سقفه فعلى هيئة قبو صاعد، وقد اعتبر باب النصر هو الباب التجاري لمدينة "القاهرة" فكانت قوافل التجار تمر خلاله و يحصل منها على الضرائب

 

للبوابة فتحة مستطيلة ارتفاعها 6.50 متر، وعرضها 4.70 متر، بأعلى هذه الفتحة عقد مستقيم، يعلوها عقد عاتق، ثم عقد مقوس من صنجات معشقة، يليها لوحة نقش عليها تاريخ تأسيس البوابة بالخط الكوفي، كما زينت عقد البوابة بدرع وسيف بارز، ويتحكم في الدخول والخروج منه باب خشبي مصفح من مصرعين، وبعد دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798، أدخل علي الباب بعض التعديلات المعمارية، خاصة في الغرف العلوية، فتحولت المزاغل الضيقة إلى فتحات للبنادق، ولفوهات المدافع، أما الطابق الثالث ففيه حجرتان للدفاع من مستويين بينهما مزاغل للسهام وسقاطتان جانبيتان للدفاع عن الأجزاء الداخلية، كما أطلق نابليون بونابرت على كل برج في الجدار الشمالي اسم الضباط المسئولين عن أمنه، ونقشت تلك الأسماء بالقرب من الطابق العلوي للبوبات، منها اسم توماس بروسبر جوليان، مساعد معسكر بونابرت في مصر.

باب الفتوح (الاقبال)


يوجد باب الفتوح بالجهة الشمالية من السور الحالي الذي أنشأه بدر الدين الجمالي، بجوار جامع الحاكم بالجمالية، وقد شيد فى عام 480 هجرية، أي 1087 ميلادية، أما في سور جوهر الصقلي فكان قريبا من رأس حارة "بين السيارج"، وعندما جدده الجمالي أنشأ بابي النصر والفتوح في موقعهما الحالي وربطهما بسور يصل بينهما بطرق وسراديب على ظهر السور وجوفه.

 

يتكون باب الفتوح من برجين كبيرين، لكل برج حجرتان، أحدهما للدفاع والأخرى للمراقبة، وفتحة المدخل معقودة بعقد نصف دائري، أسفله باب ضخم عبارة عن مصراعين خشبيين مصفحين، يعلوهما عتب حجري، ويصل الباب إلى إيوان مستطيل، في جوانبها ثلاث دخلات عميقة، كما تصل بوابة الفتوح إلى إيوان مربع، على جانبيه دخلات لجنود الحراسة، سقفه عبارة عن قبة ضحلة مقامة على مثلثات كروية من الحجر.

أبواب السلطان الغوري

 

قام الملك الأشرف أبو النصر قنصوة بن عبد الله الجركسي الشهير بالسلطان الغوري ببناء بابين، باب وكالة القطن الذي أطلق عليه باب السلطان الغوري، والذي يوجد بخان الخليلي بالجمالية، وقد تم تشييده فى عام 917هـ أي 1511م لحماية الوكالة، ويتكون هذا الباب من حجر غائر يغطيه عقد مدائني ذو صدر مقرنص بذيول هابطة ويتوسطها كلمة الله.

 

بوابة بيت القاضي

 

أما باب بيت القاضي، والذي يعود إلى القرن الـ19 الميلادي، فيوجد أمام مجموعة السلطان قلاوون بالجمالية، وهو ينسب إلى محمد علي باشا الكبير، رغم عدم وجود ما يؤكد ذلك، وقد سُمي بذلك الإسم لأنه كان سكنا لقاضي المحكمة الشرعية الذي اتخذ من مقعد الأمير ماماى المجاور مقرا لها.

أبواب لها تاريخ

 

وفي العصر الأيوبي، أنشأت مجموعة أخرى من الأبواب لمدينة القاهرة، أنتشرت على طول السور الذي مده واكمله صلاح الدين الأيوبي بعد بوابة النصر، ومنها باب الشعرية، الذي أزيل سنة 1884، بسبب خلل في بنائه، والباب الأحمر في القلعة والذي عرف ببرج المقطم، وباب البحر الذي أنشأه صلاح الدين في السور الشرقي ليشرف على الصحراء، وباب الوزير الذي يقع بين الباب المحروق وقلعة الجبل، والباب المدرج وهو أقدم أبواب قلعة الجبل، أنشأه صلاح الدين سنة  579 هجرية، وباب السلسلة الذي يعرف بباب العزب، وهو يطل على ميدان صلاح الدين في القلعة، وباب السر الذي يعرف حاليا بالباب الأوسط، والذي خصص لأكابر الأمراء.

 

هناك الكثير من الأبواب التي لم تعد باقية، ولكن لها تاريخ، علي رأسها باب الفرج، هو باب تهدم سورة بالكامل وانهارت بوباته ولا يظهر له اي أثر الأن، ولكنه اشتهر بوجود ضريح جواره يسمي بضريح "السيدة سعادة"، جوار مديرية الامن، في ميدان احمد ماهر، وباب القنطرة، نسبة الي القنطره التي بناها جوهر الصقلى على الخليج، كانت الناس تعبر منه  لباب المرجوش، وقد تم هدمه فى عصر الدولة المملوكية سنة 1270، وهناك أيضًا باب سعادة، والذي كان يوجد في السور الغربى المحازى للخليج المصرى الكبير، بناه جوهر القائد سنة 969هجريا، أما عن اسم الباب فينسب الي "سعاده بن حيان" غلام المعز لدين الله.

أما في السور الشرقي فكان يوجد به بابان، قام ببنائه جوهر الصقلي، الأول باب البرقية، والذي بُني في سنة 970هجريا، وعُرف في السابق باسم باب الغريب، وذلك لأنه كان يوجد شرق جامع الغريب، تم تجديده أكثر من مرة، كانت الأخيرة على يد الأمير عبد الرحمن كتخدا، إلي أن تم هدمه سنة 1936 عندما تم بناء جامعة الأزهر، والثاني باب القراطين، ويقع على مسافة حوالي خمسين ذراعًا من الباب المحروق، وقد أعاد بنائه صلاح الدين الأيوبي سنة 1176، وسمي بإسم باب القراطين نسبة إلى بائعي القرط وهو البرسيم، حيث كان باعة البرسيم يتجمعون بالقرب من سوق المواشي المتواجد بجوار الباب.


لا شك أن الآثار المتبقية من هذه الأبواب القديمة حتى اليوم ، تدل على روعة العمارة الإسلامية، وقد أثارت القاهرة وأبوابها إعجاب الرحالة الأوروبيون في القرن الثامن عشر، فيقول عنها المؤرخ البريطاني ستانلى لينبول، من لم ير القاهرة لم ير الدنيا، فأرضها تبر، ونيلها سحر، ونساؤها حوارى الجنة، ودورها قصور، ونسيمها عليل، وكيف لا تكون القاهرة كذلك وهى أم الدنيا.

دائما ما كانت تحظي هذه الأبواب بالترميم المستمر للحفاظ عليها، كنموذج نادر للتحصينات الحربية في العمارة الإسلامية، وانقسمت أعمال الترميم بين ترميم الأخشاب وترميم الأحجار، فعوامل الزمن أضرت كثيرا بأجزاء البوابة القريبة من الأرض، ولذا قام خبراء المجلس الأعلى للآثار باستكمال هذه الأجزاء على أسس علمية، وبدقة متناهية، لتكون الأجزاء الخشبية والحديدية والمسامير الجديدة على نفس النمط والنظام القديم، كما قام الخبراء بدراسة وتحليل الأحجار المستخدمة في السور والأبواب الأثرية لاستبداله بأحجار من نفس النوع والمواصفات ودرجة اللون.

 

أما باب زويلة، فقام مركز البحوث الأمريكية بتقديم منحة لترميمه تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، وخلال ترميمه أضطر العاملين على أعمال الترميم للحفر تحت البوابة لتحريك الأجزاء التي دفنت تحت الأرض، فعثروا على بعض المقتنيات الأثرية المدفونة تحت الباب فنقلت إلى المتحف.

المراجع:

  1. أيمن فؤاد السيد، التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، طبعة أولي 1997، وتم نشره باللغة الفرنسية تحت عنوان "L'histoire urbaine du Caire".
  2.  محمد عبد الستار عثمان، العماره الفاطمية، دار القاهره، القاهرة، الطبعة الأولي 2006.
  3.  جمال حمدان، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولي 1998.
  4.  ستانلى لينبول،  سيرة القاهرة، المركز القومي للترجمه،  القاهرة، ترجمة حسن وعلي ابراهيم حسن، وإدوار حليم، العدد 1831، الطبعة الأولي 2011.
  5.  أدرية ريمون، القاهرة تاريخ حاضرة، ترجمة لطيف فرج، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، والبعثة الفرنسية للأبحاث والتعاون قسم الترجمة، القاهرة، الطبعة الأولي 1994.
  6.  ابن عبد الظاهر، الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة، حققه وقدم له د. أيمن فؤاد السيد، مكتبة الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولي 1996، صفحة 16،19.
  7.  حسن الرزاز ، عواصم مصر ، دار الشعب، القاهرة، الطبعة الأولي 1995.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية