سيطرت علية بريطانيا عام 1882

ثكنات قصر النيل: قشلاق عسكري لإيواء قوات الجيش الخديوي

منذ ما يقرب من 75 عامًا مضت، وتحديدًا يوم الإثنين الموافق  ٣١ مارس من العام 1947، وفي تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا، وقف الملك فاروق ملك مصر السودان يرتدى زيه العسكرية، ليرفع علم مصر فوق ثكنات قصر النيل العسكرية، يقف بجوارة محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر وكبار قادة الجيش المصري، إيذانًا بجلاء الإنجليز عن القاهرة وثكنات قصر النيل، وذلك طبقا لمعاهدة عام 1936، والتى تم تأجيلها بسبب الحرب العالمية الثانية، وقد إحتفل الجيش المصري بإطلاق ١٠١ طلقة نارية من القلعة.

 

كانت ثكنات قصر النيل العسكرية، والتي أضحت مقرًا لجيش الإحتلال البريطاني، معلمًا من أهم معالم القاهرة في ذلك الوقت، حتي أنها كانت رمزًا لميدان الإسماعيلية، أو ميدان التحرير اليوم، حيث كانت تحتل المساحة الشاسعة لمباني جامعة الدول العربية وفندق النيل ريتز كارلتون، أو النيل هيلتون سابقًا، وكانت تطل مباشرة علي حافة نهر النيل، وكان ملاصقًا لكوبري قصر النيل، وتعود أقدم الصور التي تم إلتقاطها لتلك الثكنات في عام 1902، وذلك حينما قام رائد التصوير الجوي طيار المنطاد السويسري الشهير إدوارد سبيلتيريني، والذي ذكر أن تلك الثكنات كانت جزء من تاريخ ميدان الإسماعيلية.

يعود تاريخ بناء ثكنات قصر النيل إلي سعيد باشا إلي عام 1962، والذي أصدر في 1856 أمرًا إلى ناظر الداخلية بإنشاء رصيفًا حجريًا على نهر النيل، وذلك أمام سراي قصر النيل، والذي بناه محمد على باشا لابنته نازلى هانم لحبها الشديد لنهر النيل، تمهيدًا لبناء ثكنات لإيواء وحدات الجيش المصري، وكان يُسمي باللفظة التركية "قشلاق" أو "ثكنة عسكرية"، ولبنائه أمر سعيد باشا بتدمير قصر النيل الأصلي، وهو قصر أنيق، لبناء تلك الثكنات، وإن كان يُعتقد أن نفس القصر ظل كما هو جزءًا من الثكنات العسكرية، لذا حصل الـ"قشلاق" علي إسم قصر النيل، إلي أن اكتمل بنائه في عهد الخديوى اسماعيل، والذ اصدر اوامره بنقل المدرسة الحربية من القلعة السعيدية بالقناطر إلى ثكنات قصر النيل، تمهيدًا لنقلها إلى ثكنات العباسية، وقد حل محل المدرسة الحربية بعد نقلها مدرسة الطب.

السؤال الأهم الذي يسعي بعض المؤرخين للإجابة علية، وهو لماذا قرر سعيد باشا بناء تلك الثكنات، ووضع وحدات من الجيش في هذا المكان المنعزل، والذي كان خاليًا تمامًا وبعيدًا عن وسط المدينة؟، البعض قال أن تلك الثكنات لم يكن الهدف منها حراسة القاهرة، لأن "المدينة" كانت بعيدة تمامًا عن نهر النيل في خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر، كما أن إرتباطه بالجيش جعله دائمًا قريبًا منه بالقلعه، كما سعي لإنشاء مركز عسكري جديد في العباسية، وإن كان البعض يري أن صراعًا قصيرًا علي السلطة حاول إلهامي إبن عباس حلمي الأول أن يُشعله عقب وفاة والده عام 1854 لخلافته، وقد تورط عدد من قادة الجيش في ذلك الصراع، وهو ما أجبر سعيد باشا علي نقل بعض القوات إلي تلك الثكنات الجديدة، تجنبًا لأي هجوم مُحتمل من القلعة، مع سهولة الخروج في أي وقت من القاهرة.

أما عن تصميم الثكنات العسكرية، فقد كانت عبارة عن مبني طولي علي شكل الحرف اللاتيني (E)، حيث تتجه أضلعه الثلاثة ناحية نهر النيل، في حين تحتل بقايا سراي "قصر النيل" جزء من الضلع الأول أما الضلع الثالث فيجاور كوبرى قصر النيل أمام قصر الأميرة نعمة الله، ابنة الخديوي توفيق إبن إسماعيل باشا، والذي أصبح فيما بعد مقرًا لوزارة الخارجية، وقد شهدت تلك الثكنات العديد من الاحداث التاريخية للجيش المصري، أهمها علي الإطلاق إنه أصبح مهدًا للثورة العرابية في أواخر عام 1880، ومنها خرج أحمد عرابى باشا ورجاله إلى قصر عابدين في الموقعة الشهيرة مع الخديوى توفيق، وفيها تم اعتقال الكثير من الوطنيين المناهضين للإحتلال.

وفي عام 1882، وبعد هزيمة أحمد عرابي، وإحتلال بريطانيا لمصر، سيطرت وحدات الجيش البريطاني على ثكنات قصر النيل، التي كانت يومًا ثكنات للجيش المصري، وخلال السنوات القليلة الأولي عكف علي إعادة تصميم البنية التحتية العسكرية للقاهرة كلها، حتي اضحت تلك الثكنات المركز الرئيسي للقوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولي خلال الفترة من 1914 حتي 1918، وعقب توقيع اتفاقية 1936، والتي والتي كانت من أهم بنودها انتقال القوات العسكرية من المدن المصرية، وعلي رأسها العاصمة القاهرة، إلى منطقة قناة السويس، ولظروف اشتعال الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ - ١٩٤٥ تم تاجيل تلك العملية، إلأي أن تم رفع العلم المصري في عام ١٩٤٧.

وفي ٣١ مارس ١٩٤٧، وعقب جلاء القوات البريطانية عن الثكنات، عاد الجيش المصري إلى ثكناته التي أنشأها الوالي سعيد باشا، وظلت ثكنات قصر النيل في موقعها، حتى تقرر إزالتها ونقل القوات المُسلحة إلى منطقة العباسية في نفس المعسكرات التي جلت عنها القوات البريطانية أيضًا، وفي عام ١٩٥٤ أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بهدم المبنى، ليتحول فيما بعد إلي أهم المراكز التجارية لميدان التحرير، حيث حل مكانه فندقًا سياحيًا ضخمًا، ومبني جامعة الدول العربية.

المصادر:

  • علي مبارك باشا، الخطط التوفيقية، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، الطبعة الأولي، إصدار 30 ديسمبر 1998.
  • زين العابدين شمس الدين نجم،الدولة والمجتمع في مصر في القرن التاسع عشر، دار الكتب والوثائق القومية، الطبعة الأولي عام ٢٠١٠.
  • د. محمد حسام الدين إسماعيل، مدينة القاهرة من ولاية محمد علي إلي إسماعيل 1805- 1879 م، دار الأفاق العربية، الطبعة الأولي 1997.
  • جانيت ابو لجد، القاهرة: انتصار مدينة 1001 عام، مطبعة جامعة برينستون، فرنسا، الطبعة الأولي ١٩٧١.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية