ممالك هزمت الانقراض 435 مليون سنة

«الحشرات».. 10  ملايين فصيلة استوطنت الجبال واخترقت باطن الأرض

بما أن عالم الحشرات بتلك الضخامة التي ذكرناها في الجزء الأول، ويؤثر بهذا الشكل، بل ويتأثر بالإنسان، يقدم خدماته وبترك أضرارة، كان لابد من تخصيص علم لدراسة تلك الكائنات الدقيقة، فخرج إلى النور علم الحشرات، أو "Entomology"، بدأ ذلك العلم في الظهور على يد عالم النباتات السويدي "كارولوس لينيوس" منذ خمسينيات القرن الثامن عشر، والذي ابتكر نظاماً مفيداً لتصنيف النباتات والحيوانات، بل قام بتسميتها، ويقوم ذلك العلم بدراسة كل ما يتعلق بعوالم الحشرات المختلفة، من فصائل وعائلات وبيئات وطبيعة غذاء وفوائدها وأضرارها.

 

في مصر أغلب علماء الحشرات يقومون بدراسة كل ما هو اقتصادي لتلك الكائنات الضئيلة، فيقومون بدراسة تأثيرها على الانتاج بكل اشكالة، فيدرسون الآفات الحشرية التي تسبب فساد المحاصيل وأشجار الزينة، والمنتجات المخزونة، والأبنية، أو فساد كل شيء يتصل بصحة الإنسان والحيوان، أما علماء الحشرات الزراعية فيدرسون الآفات الحشرية للطعام والنسيج، في حين يدرس علماء حشرات الغابة آفات الأخشاب.

 

حشرة الجندب

يقتصر دور علماء الحشرات الطبية، خاصة في المجال البيطري، على تقليل خطر تلك الحشرات التي تسبب المرض للإنسان والحيوان، حيث قاموا بتخفيض أعداد الآفات الحشرية بعدد من الوسائل، أهمها تجفيف المستنقعات التي يتكاثر عليها البعوض وبعض الذباب، واستعمال المبيدات الحشرية والمنفِّرات، والاستعانة بالحيوانات التي تتغذى على الآفات الحشرية نفسها، مثل حشرة السرعوف والدعسوقة التي تتغذي على الآفات الحشرية، لذلك يسعي علماء الحشرات إلى حمايتها وزيادة أعدادها.

 

أولاً: دودة القز

كانت في الماضي اهم حشرة على كوكب الارض لإنتاجها معظم الحرير المستعمل في الأسواق، اما اليوم فقد تراجع انتاج الحرير الطبيعي بعد ظهور الحرير الصناعي, ولكنها ما زالت حشرة ذات أهمية عالية، خاصة في جنوب شرق اسيا التي ما زالت المصدر الأساسي للحرير الطبيعي، عرف الصينيون تربيتها المستأنسة منذ 2000 سنة وتستهلك اليرقة الواحدة منذ خروجها من البيضة حتي تحولها إلى عذراء حوالي 90 جرام من ورق التوت، وتنتج الشرنقة الواحدة خيطا حريريا طوله 800-1200 ياردة، أي حوالي 1000 متر، ووزن يصل إلى 2 جرام، ما يعني ان 650 شرنقة يمكن أن تنتج أكثر من كيلو واحد من الحرير الخام.

أنواع مختلفة من الحشرات

يُعد انتاج الحرير صناعة هامة ورئيسية في كثير من الدول، على رأسها اليابان والصين وايطاليا وفرنسا واسبانيا, وتنتج هذه الدول حوالي من 50 إلى 70 مليون رطل من الحرير الخام سنويا، قيمتها نحو 250 مليون جنيه مصري، كما توجد انواع اخرى من ديدان الحرير المستأنسة غير دودة القز، ومن نفس الجنس, ففي أسيا على سبيل المثال حوالي 30 نوعا من تلك الديدان المنتجة للحرير ولكنها غير مستأنسة، أهمها يستوطن الصين والهند واليابان.

 

ثانياً: نحل العسل

اكثر الحشرات النافعة شهرة، ويوجد اكثر من 20 الف نوع من النحل على وجه الأرض، موزعة على قارات العالم كلها، باستثناء القطب الجنوبي, يعمل النحل على انتاج العسل، وهو من افضل الأغذية لأي مجتمع, كما يعمل على تلقيح الزهور، ما يساهم في انتاج ثمار الفواكه, وتدخل بعض منتجاته في انتاج الكثير من الادوية والعلاجات، وحتى السم الذي ينتج عن لسعاته يمكن ان يكون مفيدا لعلاج بعض الامراض.

تجمع شغالة نحل العسل رحيق الأزهار لتصنع منه العسل، لذلك نراها تقوم بحوالي من 40 إلى 80 ألف رحلة، تزور خلالها أزهار كثيرة كي تجمع رحيقا يكفي لصنع رطل واحد فقط من العسل, علما بأن الرحلة الواحدة قد تصل إلى حوالي 3 كيلو مترات، أي ان الشغالة الواحدة يمكنها أن تطير طيلة حياتها مسافة تساوي ضعف محيط الكرة الارضية لصناعة رطل واحد من العسل، وتفرز الشمع من غدد خاصة توجد ببطن الشغالة، وذلك بعد ان تهضم الشغالة كمية من العسل مباشرة, وينتج الرطل الواحد من شمع العسل بعد هضم الشغالات كيمة تتراوح بين 3-20 رطل من العسل في مدة 24 ساعة .

 

ثالثاً: الحشرة القشرية

الحشرات القشرية بعضها ذو منفعه، وعلي رأسها حشرة "كيريكا لاكا"، موطنها الأصلي أشجار الهند وبورما في أسيا، منتجة لمادة "الشيلاك" التي تفرزها فوق جسمها للحماية، تلك المادة تستعمل في صناعة البويات والورنيش والاخشاب وتلميع المعادن وصناعة القبعات، وعمل الشمع الاحمر وبعض الاحبار والمواد العازلة، والاسطوانات واللينوليم الذي يستعمل في تغطية ارضية الحجرات والزراير واليشاني ولعب الاطفال والنماذج الصناعية للزهور والفاكهة والخضراوات، ومن أجل جمع جرام واحد من مادة الشيلاك، نحتاج إلى حوالي 300 الف حشرة "كيريكا لاكا"، علماً بأنه يتم انتاج ما يقرب من 40 مليون كيلوجرام سنويا من تلك المادة.

جدير بالذكر ان العالم عرف مادة الشيلاك واستعمالاتها منذ عام 1590 ميلادية، وقام باستخدامها في صناعة المستحضرات الصيدلانية من أجل التلبيس المعوي للمضغوطات والحبوبbeads ، يستخدم بشكل محلول جولي 35% من أجل التلبيس، كما يستخدم كمحلول جولي 40% في التلبيس الواقي لنوى المضغوطات بطبقتين، أو طبقة واحدة، بغية حمايتها من الرطوبة، قبل إجراء تلبيسها السكري أو بفيلم، ويستخدم أيضاً في بعض الأحيان في المنتجات الغذائية ومستحضرات التجميل.

 

رابعاً: حشرات التجميل

قد لا يعلم الكثيرين أن أغلب مستحضرات التجميل التي تستخدمها النساء تُستخرج من بعض الحشرات، فعلي سبيل المثال الحشرة القشرية يستخرج منها اللون الأحمر، والذي يُستخدم في صناعة أحمر الشفاه، وطلاء الأظافر، ورغم انها من الحشرات الضارة، لكنها ليست مضرة في مجال صناعة مواد التجميل، هناك أيضاً حشرة البق الدقيقي، حمراء اللون، والتي تعيش بكثرة على اشجار الكمثري البرية في هندوراس وجزر الكناري والمكسيك وبيرو واسبانيا والجزائر، يتم تجفيف جسدها، ثم طحنها، لتدخل بعد ذلك في صناعة مستحضرات التجميل، كما تستخدم في علاج السعال الديكي، وبعض الامراض العصبية, ويحتاج انتاج الكيلو جرام الواحد من مسحوق اجسام تلك الحشرات إلى نحو 150 ألف حشرة.

الفراشة

 

خامساً: الحشرات الطبية

لا جدال ان بعض الحشرات لديه قيمة طبيه، وطيلة حياة الانسان على سطح الكرة الارضية وهو يستعين ببعضها في علاج بعض الامراض، فعلي سبيل المثال نحلة العسل، وبعض الخنافس، وأنواع من الذباب ويرقاتها، فقد امكن شفاء بعض الجروح عندما وضع الاطباء بعض يرقات الذباب المعقمة, كذلك امكن عزل مادة معينة لها خاصية شفاء الجروح من افرازات يرقات الذباب, وتلك المادة تحضر صناعيا ومتداولة بالاسواق، واذا وضع محلولها العديم الرائحة واللون والطعم، والذي لا يسبب اية الام على الاطلاق على الحرق والجروح فانه يعمل على شفائها.

 

ذبابة حوامة على ثمار عنب بري

ويحتوي الدم والاجهزة الداخلية للخنفساء على مادة الكنتارادين، والتي تستعمل اليوم في علاج بعض امراض الاجهزة البولية والتناسلية، وتوجد هذه الحشرة بكثرة في كل من اسبانيا وفرنسا، وخلال القرن التاسع عشر كانت اجسام نحلة العسل تنقع في كحول الايثايل لمدة شهر تقريبا، مع حفظها في مكان دافئ، وكان المنقوع الناتج يستخدم في علاج بعض الامراض، مثل الدفتريا والحمي القرمزية والتهابات المثانة وجروح البشرة، وحديثا استعمل الغذاء الملكي لنحل العسل كمصدر للفيتامينات في بعض مراهم التجميل، وفي علاج كثير من امراض الشيخوخة وفقر الدم.

 

سادساً: الأورام النباتية

عرف الانسان الأورام النباتية وفائدتها منذ أكثر من 25 قرناً مضت، ففي القرن الخامس قبل الميلادي اكتشف أن الاورام الموجودة على اشجار الجوز، والتي تنمو في شرق اوروبا وغرب اسيا، تحتوي على مواد تستخدم كمقويات وكمضادات لبعض السموم، او كمواد لصباغة الشعر والصوف والبشرة كما تستخدم مستخلصات اوراق اشجار الجوز بكثرة في الوقت الحاضر في صباغة الجلود.

بعوضة الحمى

وهناك اورام نباتية اخري تستخدمها نساء الصومال للتجميل، كما يستخدم الاتراك في الصباغة مواد قرمزية اللون، ناتجة عن اورام نباتية حمراء اللون موجودة على اشجار البلوط، ويوجد حمض التنيك بكثرة في كثير من الأورام النباتية الآن في تجهيز الأحبار الثابتة.

 

ماجستير العلوم في الحشرات الطبية

كلية العلوم – جامعة الأزهر

EMAIL:dar_el7elm@hotmail.com

 

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية