حي المعادي يشهد إطلاق أول محطة في العالم..

«النيل».. يروي مزارع القطن بالطاقة الشمسية سنة 1916

احتفلت مصر مؤخراً بمرور 100 عام علي إنشاء أول محطة للطاقة الشمسية في العالم.. معلومة قد تبدو رغم أهميتها جديدة علي آذان المصريين أنفسهم، فحتي هيئات الطاقة المصرية لا تعلم عنها أي شيء، حتى إن الموقع الرسمي لكل مواقع الطاقة الجديدة والمتجددة ووزارة البيئة ومجلس الوزراء لم تذكر مطلقا تلك المعلومة أو منفذها أو حتى رسومها التصميمية.

 

الحقيقة أن مصر بفضل تلك المحطة الشمسية كانت عنوانا لغلاف أكبر وأقدم مجلة أمريكية متخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مجلة "Electrical Experimenter"، فقد نشرت في الصفحة 35 و36 و37 من العدد الصادر في مارس 1916 صورة ضخمة لصحراء المعادي والجمال تنقل المركزات الشمسية وخلفها يستظل المهندسون المصريون والأمريكان برئاسة العالم الأمريكي فرانك شومان داخل الخيام أسفل عدد من أشجار النخيل.

المحطة الشمسية بدأ العمل بها في 1911 وانتهت الإنشاءات في 1913 وبدأ تشغيلها في مطلع 1914، مما يعنى أن مصر هى أول دولة فى العالم دخلت مجال الطاقة الشمسية والمتجددة، ليدخل شارع 101 بحي المعادي التاريخ من أوسع ابوابة، قبل أن يختفي في دروب التاريخ وتخفي المباني والرمال والأشجار موقع المحطة وتصبح في طي النسيان.

 

تاريخ المحطة

في أغسطس من عام 1907 حصل مهندس أمريكي يدعي فرانك شومان على براءة اختراع عن تصميم لأول محرك بخاري ذي ضغط منخفض لاستخدامه مع خلايا جمع طاقة شمسية من مكتب براءات الاختراع الأمريكي بولاية سيرانيفادا، وفي صيف 1908 شيد شومان محركا شمسيا تجريبيا في فناء منزله في قرية "تاكوني" ليقوم بتخزين الأشعة الشمسية ويحولها الى طاقة، وبعد نجاحه في تلك التجربة قام بتأسيس أول شركة للطاقة الشمسية لإنشاء المجاميع الشمسية، مع مستثمرين من ولاية فيلادلفيا بالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، لتكون نواة مؤسسة محركات شومان المحدودة في بريطانيا.

كالعادة لم يقتنع العالم بتلك الفكرة في توليد الطاقة والكهرباء ويستغني عن المصدر الرئيسي ممثلا في الفحم، فاضطر شومان للخروج من أمريكا الي بريطانيا، لتنقذه الحكومة المصرية في 1911 وتوافق علي تجربة تلك التقنية الجديدة في صحراء المعادي، بل وتوفر له التمويل المناسب والعمالة المتخصصة.

وفي ابريل 1912 وصل المهندس فرانك شومان الي ميناء الاسكندرية قادما من لندن علي ظهر السفينة "موريتانيا"، واستلم قطعة الأرض من الخديوي بالإضافة لعدد كبير من المهندسين والعمال والفنيين المصريين، وفي يوليو 1912 يكلف مجلس ادارة الشركة البروفيسور فيرنون بويز من الفرع الرئيسي بلندن بمتابعة المشروع، ولكنه يكتب تقرير قاسي بأن تصميمات شومان ليس مثاليا لتركيز أشعة الشمس المصرية.

كاد تقرير "بويز" يقضي على حلم "شومان" بإقامة أول محطة شمسية في التاريخ لولا أن فرنك شومان استطاع أن يقنع مجلس الادارة بلندن بالتصميم الأصلي وتحمل الحكومة المصرية المسئولية، وخرج الاجتماع بتوافق (شومان- بويز) وحملة الأسهم بالشركة على التصميم المعدل للمحطة، علي أن تستبدل خطوط الصناديق الحرارية بقنوات هلالية الشكل، بدلا من بناء نموذج أول بعد التعديلات تقرر الشركة تشييد محطة جديدة في الموقع بالقاهرة.

وخرجت بالفعل أول محطة طاقة شمسية فى خريف عام 1913، فكانت أول وحدة رفع طاقة شمسية بحجم صناعى فى العالم بالمعادي، واحتوت على خمس جامعات طاقة شمسية، كل منها بطول 62 مترا وعرض 4 أمتار وتفصل بينهم مسافة 7 أمتار، واستمر تشغيلها لفترة أقل من عام، والمفارقة الغريبة ان التجربة الاولي التي اراد شومان ان يجريها امام الجمهور تم تأجيلها بسبب إنصهار الغلايات المصنوعة من الزنك لشدة درجة حرارة صحاري القاهرة وتم استبدالها بالحديد والزجاج.

وفي مطلع 1914 كان عدد كبير من ضيوف مصر من انحاء العالم وعلي راسهم اللورد كتشنر يشاهدون المحرك العملاق يعمل، وينتج طاقة تقدر بقوة ٥٥ حصان وتضخ حوالي ٢٠٠٠ لتر مياه في الدقيقة من النيل لري حقول القطن، وعلي اثر ذلك وافق اللورد كتشنر علي منح شركة الطاقة الشمسية ١٢٠٠٠ هكتار من زراعات القطن في السودان البريطانية لريها بالطاقة الشمسية.

رحل شومان بعد ذلك إلى ألمانيا لعرض مشروع محرك الطاقة الشمسية الأول فى البرلمان الألماني، وتحدث عنها العالم أجمع فى ذلك الوقت، وفى شتاء عام 1914 عاد شومان إلى فيلادلفيا فى إجازة لبضعة شهور احتفالاً بنجاحاته فى مصر وألمانيا، ليعرض على المجتمع الأمريكى مشاهد لمحطة الطاقة الشمسية المصرية عن طريق فيلم يتم عرضه بمسرح الحرية بتاكوني.

وكان لفرانك شومان كلمة شهيرة فى وقت تشييد المحطة هى: "إننى على يقين من شيء واحد.. أن البشرية لابد أن تتحول لاستخدام الطاقة الشمسية أو ترتد إلى البربرية، وما حدث في مصر انطلاقة لعصر جديد من الطاقة".

تلك كانت قصة مصر مع الطاقة الشمسية، بدأت قبل ان يسمع عنها العالم اجمع، وسيظل التاريخ يذكر مصر بأنها كانت اول دولة في العالم تفتتح محطة للطاقة الشمسية عام 1916، لتصبح دولة رائدة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة.

 

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية