بدأت بعد سته قرون من انتهاء عصر بُناة الأهرامات المصرية

"أهرامات المكسيك".. يوم قدس شعب المكسيك الشمس والقمر علي الطريقة المصرية

تتوالى على الأرض الكثير من الحضارات المختلفة، تضمحل إحداهما وعلى أطلالها تلمع وتشع أخرى، وما بين هذه وتلك، تتبقى بعض الآثار التى تمثل نقطة إلتقاء بين الماضي والحاضر، لذا نري بعض التشابه فيما بينها، حتي وأن إختلفت في الأهداف والقيم، وقديمًا تسائل البعض حول العلاقة بين حضارة مصر الفرعونية، والتي وصفوها بأم الحضارات، وبين حضارات ما وراء المحيط الأطلنطي.

 

منذ ثمانية عشر قرن مضي، وبعد أكثر من ستة قرون من انتهاء عصر بُناة الأهرام، شيد "الآزتيك"، وهم شعوب الأمريكتين الأصليين قبل الغزو الأوروبي، عاصمتهم الأولي، مدينة "تيوتيهواكان" لتظل حاضرة تلك الدولة طيلة أكثر من خمسة قرون من الزمان، بدء من عام 200، وحتي سقوطها علي يد قبائل "تولتيك" عام 750 ميلادية، أهم ما ميز تلك المدينة اقتدائها بالحضارة المصرية، وإتخاذها للأهرامات نموذجًا للعبادة علي أرضها.

حالة من الإختلاف أصابت العقلية الآزيتيكية في فلسفتها في التعامل مع الأهرامات التي قامت بإنشائها، ففي حين اتخذها المصريون القدماء قبورًا لملوكهم، أنشأ شعب الآزتيك هرمي الشمس والقمر لعبادة الآلهة، وكمعابد للطقوس والاحتفالات الدينية، كما أنها مثلت حلقة الوصل بين البشر على الأرض والآلهه فى السماء، لذلك بُنيت على أراضى مرتفعة، كما نري في هرمى الشمس والقمر، فى مدينة تيوتيهواكان التى تبعد عن شمال شرق مكسيكوسيتى عاصمة المكسيك بحوالى 40 كم تقريبا.

تبلغ مساحة مدينة "تيوتيهواكان" حوالي 12 كيلومترمربع تقريبًا، وعلى أرتفاع 2300 متر من سطح البحر، وتم تشيدها على جانبى طريق مستقيم، ما يحمل دلاله دينية، يطلق عليه طريق الموتى، يبلغ طوله اثنين ونصف كيلومتر، تلك المدينة الغامضة، والتى هجرها أهلها الأصليون، وعند وصول الشعب الازتيكى، رأى أن من بنى تلك المدينة ليسوا بشرا، وأصبحت بالنسبة للأزتيك المدينة الأسطورية، وأطلقوا عليها هذا الاسم الذى تعرف به لليوم، ويعنى فى لغة "ناواتل"، لغة السكان الأصليون لسكان أمريكا الشمالية، حيث يصبح الناس آلهة.

على الطرف الشرقى من طريق الموتى فى المدينة، يتمركز هرم الشمس العظيم وهو أكبر هرم فى مدينة تيوتيهواكان وثالث أكبر هرم فى العالم، ولقد بنى على يد شعب تيوتيهواكان الأصليين من أجل تعظيم أحد آلهتهم، وتم ذلك على مرحلتين، الأولى خلال القرن الأول ميلاديا، وكان فى حجمه الحالى تقريبا، والمرحلة الثانية بُنيت منضدة التضحية أعلى قمة الهرم، وذلك من أجل تقديم القلوب البشرية كقرابين للالهة، والتي كان من خلالها كان يمكن التوصل إلى اسم الإله، والهرم ولكن ذلك لم يحدث، والنتيجة عدم التوصل لأسمه الأصلى، ولا نعلم سوى ماعرفه به الشعب الأزتيكى حتى اليوم معبد الشمس، ومع بداية القرن الثالث ميلاديا أضيف له مسطبة أدوسادا.

هرم الشمس عبارة عن جبل صناعى ضخم مغطى بالتراب والحجر المصقول، تبلغ مساحة قاعدته أكثر من 50 ألف متر مربع تقريبًا، أى ما يقرب من مساحة قاعدة هرم خوفو في مصر، أما أرتفاعه فيصل إلى 63 متر تقريبا، فى حين يبلغ أرتفاع هرم خوفو ما يقرب من 147 متر، ويتكون من خمس مصاطب تربطها مجموعة ممرات شديدة الإنحدار من الأدراج، وعلى أعلى قمة الهرم يوجد معبد لإله الشمس الذى تخطى اغلب عقبات الكوارث البشرية، والطبيعية ليصمد حتى اليوم، ومن أجل الوصول إليه يجب على الزائر صعود ما يقرب من 240 درجة تقريبا.

يعتقد البعض أن هرم الشمس بُنى على نقطة فى الأفق حيث تغرب الشمس فى الأنقلاب الصيفى، لذلك يأتى إليه السائحون وفقا للأساطير الشعبية، من كل مكان بملابسم البيضاء فى يوم الإعتدال الربيعى، وذلك عندما تتساوى ساعات النهار وساعات الليل، لرؤية أول شعاع للشمس على أدراجه، اعتقادًا منهم أنهم يستمدون بذلك الدفىء والطاقة للإستفادة منه طوال العام، خاصة وأن هرم الشمس وفقًا للعقيدة الآزيتيكية يرمز للخصوبة.

علي مقربة من هرم الشمس، وتحديدًا في الطرف الشمالي من طريق الموتى، يوجد ثانى أكبر هرم فى مدينة "تيوتهواكان"، ويطلق عليه هرم القمر، وتعني بلغة الـ"ناواتل" حجر الأم، أو حجر الوقائى، أطلق عليه هذا الإسم لأنه يغطى معبد أقدم من هرم الشمس، ويوجد على جانبيه أهرامات ومنصات أصغر حجما، وقد بنى من الحجارة أيضا، ويتكون من قلب هرمى مصمت، يحيط به هرمان آخران، ويبلغ أرتفاعة 40 مترا تقريبا، أي حوالي 25% من هرم خوفو.

تميز هرمى الشمس والقمر بإبداع يحاكى براعة متناهية النظير فى الفن والمعمار الآزيتيكي، وكانا من الطبيعى أن يسترعى إنتباه علماء الآثار ويثير فضولهم لمعرفة المزيد، فتم التنقيب وعمل مسح جيولوجى للمدينة، وذلك من أجل التوصل إلى سراديب وغرف تحمل أسرارًا مخفية تساعد على معرفة المزيد من المعلومات الآثرية الهامة، وبالفعل اكتشفوا نفق سري علي عُمق 10 أمتار تحت قاعدة هرم القمر، يصل إلي الساحة المركزية، يُعتقد أنها كانت مركز للطقوس الدينية، ما يعني، وطبقًا لعالمة الآثار والتاريخ، فيرونيكا اورتيجا، دليل واضح علي أن أهل "تيوتيهواكان" بنوا معابدهم لمحاكاة العالم الآخر.

اما هرم الشمس فلم يجدوا به أى غرف أو سراديب سرية، ولكنهم وجدوا حوله عدد من الآثار القديمة، ممثلة فى تماثيل صغيرة للإنسان، ورؤوس رماح من الأحجار البركانية، كما عُثر فى أركان الهرم على مقابر للأطفال، يُعتقد أنهم قدموا من أجل الطقوس الدينية الوثنية الوحشية، والتى استمرت قرونا عديدة.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية