جاء السيد المسيح إلى مصر مع والدته السيدة العذراء مريم وخطيبها يوسف النجار

القمص أنجيلوس جرجس يكتب: أرض النيل.. ملجأ العذراء والمسيح.. مبارك شعبى مصر

جاء السيد المسيح إلى مصر مع والدته السيدة العذراء مريم وخطيبها يوسف النجار، هربا من بطش هيرودس الملك فى فلسطين، ليظلوا بها قرابة ثلاث سنوات، وقد وثق إنجيل متّى بالكتاب المقدس سبب التوجه لمصر، حيث قال: «إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكُن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر» "متّى 2:13"، وخلال وجودهم بمصر مروا بمحطات هامة وهى كالتالي:

 

رفح: وقد سارت العائلة حوالي مائة كيلومتر منذ خروجها من بيت لحم، حتى وصولها إلى رفح، راكبين على الحمار وهي الصورة المعتادة للعائلة المقدسة، وقد كان مع القديس يوسف النجار والسيدة العذراء والطفل يسوع سالومي ابنة خالة السيدة العذراء، وقد أسهب الكثيرون في تصور ما يمكن أن يحدث في رحلة الصحراء، وبالطبع ليست كل هذه القصص حقيقية.

 

الشيخ زويد: وهي على مسافة أربعة وعشرين كيلومترا للجنوب الغربي من رفح وكانت هذه المدينة في عصر البطالمة لها مكانة حضارية كبيرة.

 

العريش: وقد وجدت بها بقايا كنائس قديمة.

 

محمية الزرانيق: وهي على بعد 37 كم، غرب العريش وكانت تسمى بالفلوسيات، وكانت مدينة محصنة في العصر البيزنطي، وبها ثلاث كنائس.

 

القلس: وكانت تعرف قديماً باسم حصن النصارى، وكان بها دير، وهي على بعد 38 كم، غرب محمية الزرانيق.

 

المحمدية: وهي على بعد 40 كم، من الفرما وكان بها دير قديم.

 

الفرما: وهي المحطة الأخيرة البرية داخل مصر قبل أن تستقل العائلة فرع النيل البيلوزي، وهي تقع على بعد 25 كم، شرق بورسعيد الآن، وكانت الفرما إحدى قلاع مصر على الحدود الشرقية، ومن أهم التجمعات الرهبانية في القرن الرابع وكانت إيبارشية كبيرة وبها كنائس كثيرة.

 

ومن الفرما أخذت العائلة المقدسة فرع النيل البيلوزي، وفي هذه الأثناء كان النيل سبعة أفرع وهذا أحدهم، وهو الفرع الذي كان يربط بابليون بسيناء، لذلك بنيت الحصون في بابليون.

 

تل بسطة: وهي مدينة لها تاريخ هام، إذ كانت مقراً ليوسف الصديق، وبها معابد فرعونية وبطلمية ورومانية، ودخلت العائلة المقدسة هذه المدينة في 24 بشنس، وجلسوا تحت شجرة، وكان السيد المسيح يصنع معجزة دائماً في كل مكان يستقرون فيه، فيما كان يضع هو يده فتنبع عين ماء عذب تشرب منها العائلة.

 

وفي مخطوط البابا ثيؤفيلس عن رحلة العائلة المقدسة بدير المحرق، أن العائلة المقدسة قالت إنهم في طريقهم إلى بابليون مصر القديمة، وهذا يؤكد ما ذكرته سابقاً أن وجهتهم الأولى كانت أن يستقروا هناك، وأن ما حدث في المحطة القادمة جعلهم يغيرون تفكيرهم.

 

مسطرد: وهي مدينة تبعد عن بابليون حدود خمسة عشر كيلومتراً، وسميت بالمحمة، لأن التقليد يقول إن العذراء غسلت ثياب السيد المسيح وحممته هناك في عين ماء، وبها كنيسة أثرية، وحسب التقليد أن هذه العين كانت مصدر شفاء لكل من يأخذ منها.

 

بلبيس: وكان المفروض أن يذهبوا جنوباً إلى بابليون، ولكن غالباً وجدوا من يتتبعهم من جنود هيرودس، فغيروا اتجاههم ودخلوا مدن الدلتا، وكانت المحطة الأولى في الاتجاه الإجباري لهم هي بلبيس، وهي مدينة عاش فيها شعب إسرائيل في فترة وجودهم في مصر.

 

وجلسوا تحت شجرة، يقال إن عسكر بابليون عندما مروا بها، أرادوا قطع هذه الشجرة فنزلت منها دماء فتركوها، وهي تبعد عن القاهرة 55 كم.

 

سمنود ودقادوس: وذهبوا شمالاً إلى هذه المدينة، وكانت بها كنائس من القرن الرابع، حيث أمرت الملكة هيلانة ببناء كنائس على اسم السيدة العذراء في كل الأماكن التي جلست فيها العائلة المقدسة، وإن كانت "دقادوس" محرفة من الكلمة القبطية "ثيؤطوكس" أي والدة الإله.

 

سمنود: وبها كنيسة الشهيد أبانوب، إذ إن هذه المدينة شهدت مذابح استشهاد الأقباط، حتى إن إحدي مخطوطات دير السريان تقول إن فيها استشهد ثمانية آلاف طفل.

 

سخا: عبرت الرحلة المقدسة عن طريق البرلس إلى مدينة سخا، في كفر الشيخ، ويقال إنه فيها طبع السيد المسيح قدميه على حجر، فاحتفظ الحجر بآثار قدميه، وقد تحدث المقريزي عن أهمية هذه المدينة لوجود هذا الحجر بها، وكان بها أيضاً دير عامر للرهبان اسمه دير المغطس، حيث تم تخريبه عام 1438 ميلادية.

 

وادي النطرون: وغادرت العائلة المقدسة سخا، واتجهوا جنوباً نحو الصحراء، حتى وصلوا إلى وادي النطرون، وهذا يؤكد أنهم كانوا هاربين ممن كان يتتبعهم، لأنه لا يوجد سبب يدعو عائلة فقيرة للذهاب إلى الصحراء سوى الهروب، وقد صارت هذه الصحراء أكبر تجمع للرهبنة في مصر، حيث كان بها حوالي خمسين ديراً، هدم أغلبها ولم يبق منها إلا أربعة فقط.

 

المطرية وعين شمس: وبعدما اطمأنت العائلة المقدسة لعدم ملاحقة أحد لهم، رجعوا إلى خطتهم الأولى ومقصدهم الأهم، وهو بابليون، حيث يوجد التجمع اليهودي الأهم والأكثر أماناً لهم، فدخلوا إلى منطقة المطرية وعين شمس، وفي هذه المدينة تربى وتعلم موسى النبي حكمة المصريين، حيث كانت مدينة الحكمة والعلم قديماً، قبل أن يهدم أغلب معابدها قمبيز في القرن الخامس قبل الميلاد، واستراحت العائلة تحت شجرة في المطرية قائمة إلى الآن، حيث يعتبر استمرار وجودها إلى الآن معجزة بكل المقاييس.

 

حارة زويلة: وعبرت من المطرية في طريقها إلى بابليون بمنطقة وسط البلد حيث كنيسة ودير حارة زويلة وبها أيضاً العزباوية.

 

بابليون مصر القديمة: أخيراً وصلت العائلة إلى المقر الذي أرادوا أن يصلوا إليه منذ البداية، حيث أقاربهم والمجمع اليهودي الشهير "أونياس"، ومكان سكن إرميا النبي، وبجوار الحصن الروماني الشهير.

 

وغالباً أن هذا التجمع اليهودي، كان أيضاً ملجأ لكل اليهود الغرباء، إذ وجدت العائلة مغارة مكثت فيها ثلاثة أشهر، هي مدة إقامتهم في هذه المنطقة، ولكن هذه المغارة كانت مكاناً معداً آهلاً للغرباء، ويوجد بئر ماء شربت منها العائلة المقدسة.

 

وتاريخ هذه المغارة التي أصبحت كنيسة منذ العصر الرسولي، والكنيسة التي بنبت فوقها، وهي سرجيوس وواخس، سنتكلم عنها بالتفصيل في فصل آخر، ولكن بعد الثلاثة أشهر، رحلت العائلة المقدسة من بابليون، والسبب الوحيد هو أنهم كانوا مهددين من أتباع هيرودس، إذ إن الاتجاه الذي أخذته العائلة المقدسة هو الصعيد، مما يؤكد أنهم أرادوا مكاناً أكثر أماناً من الوجه البحري وبابليون، فعبروا النيل عن طريق المعادي.

 

المعادي: وهو المكان الذي منه أخذت العائلة المقدسة مركباً متجهاً نحو الصعيد، وقد كانت هذه المنطقة هي الحدود الجنوبية للعاصمة منف.

 

وأغلب الظن أنه كان هناك معبد فرعوني على النيل، وإحدى الروايات أن في هذا المكان، وجدت ابنة فرعون موسى النبي، وفي عام 1976 ميلادية وجد كتاب مقدس عائم على صفحة النيل، واستقر على ضفاف هذه الكنيسة مفتوحاً على إصحاح إشعياء 19 الذي فيه "مبارك شعبي مصر".

 

دير الجرنوس: ومن المعادي وعبر النيل وقفت العائلة المقدسة في منطقة دير الجرنوس، أو البهنسا، وهي الآن قرية صندفا ببني مزار مركز مغاغة بمحافظة المنيا، وكانت قديماً تسمى "أباي أيسوس" أي "بيت يسوع"، ومكثت فيها العائلة المقدسة أياماً.

 

والبهنسا كانت مدينة قبطية كبيرة، ذكر الأب بلاديوس أنه كان بها ثلاثون ألف راهب وراهبة، وبها ثلثمائة كنيسة عامرة قبل دخول العرب مصر.

 

جبل الطير: ولكن العائلة المقدسة كانت ترتحل من مكان الي مكان، تبحث عن مكان أكثر أماناً، فرحلت إلى سمالوط، ومنها عبرت النيل إلى الناحية الشرقية، ومكثت أياماً في مغارة، هي الآن جبل الطير.

 

ويذكر التقليد أنه أثناء عبورهم في النيل الملاصق للجبل، كانت صخرة كبيرة ستقع عليهم فمد السيد المسيح يده فوقفت الصخرة، وانطبع كف السيد المسيح عليها، وقد بنيت الملكة هيلانة هناك كنيسة في القرن الرابع الميلادي سميت "سيدة الكف".

 

وعلى بعد 2 كم، جنوباً توجد "شجرة العابد" وهي من أشجار اللبخ، وهذه الشجرة كل فروعها تميل إلى الأرض كأنها ساجدة، وفي القصص والميامر، يقال إنها قد سجدت عند مرور العائلة المقدسة عليها.

تحقيق نبوءة سقوط أوثان قيصر:

 

الأشمونين: وهي الآن ملوي، وقد عبرت العائلة الناحية الغربية من النيل، واتجهت إلى مدينة هامة شهدت حضارة فرعونية، حيث كانت مركزاً دينياً، ومن اسمها الأشمونين، من الكلمة المصرية القديمة "خمنسو" أي الثمانية، وهي إحدي النظريات الدينية في اللاهوت الفرعوني الثمانية آلهة، وكانت أيضاً مركزاً لإله الحكمة تحوت.

 

ثم صارت مدينة هيرموبوليس وقت البطالمة، ومركز الفكر الهليني والآلهة اليونانية، صارت تسميتها من الإله هيرمس اليوناني، مما يؤكد تغير هويتها الفرعونية، وبها معبد شيده "فيليب أريدايوس" الأخ غير الشقيق للإسكندر الأكبر، ثم صارت مدينة رومانية تحمل الطابع الروماني، حيث توجد بها حمامات رومانية، ومركزاً كبيراً للعبادة الوثنية الرومانية، ويوجد بها معبد للإمبراطور نيرون، لذلك يذكر التقليد سقوط الأوثان في هذه البلدة تحقيقاً للنبوات، ولم تكن معابد الفراعنة بل معابد البطالمة الرومان.

 

وبسقوط أوثان هذه المدينة هاج كهنة الأوثان، فخرجت منها العائلة المقدسة ولم تبيت فيها، وفيما بعد كانت مركزاً كبيراً للمسيحية وللشهداء على اسم السيد المسيح.

 

ديروط: عبرت رحلة العائلة المقدسة إلى ديروط، وقد يكونوا مكثوا ليلة واحدة، وارتحلوا شرقاً إلى دير أبو حنس.

 

دير أبو حنس: والمسمى يرجع إلى القديس يحنس القصير، ومكثت فيها العائلة أياماً، وبعد هذا صارت مركزاً مسيحياً وبنيت الملكة هيلانة فيها كنيسة وصار بها أديرة كثيرة، ويقال إنها كانت تضم أكثر من خمسة آلاف راهب، ويوجد بدير أبو حنس أقدم جدارية للعائلة المقدسة، وترجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي.

 

كوم ماريا: ويقال إن العائلة المقدسة سكنت هناك أياماً أيضاً.

 

ديروط الشريف: وهي على بعد 20 كيلو متراً من ملوي جنوباً، ومكثت فيها أيضاً أياماً.

 

القوصية: ثم ارتحلوا إلى القوصية بجبل قسقام، وهي في مدينة ليكوبوليس التي كانت بها معابد وثنية، وفي القوصية معبد يعلوه صنم ذو سبعة أقنعة، بمجىء السيد المسيح سقط على الأرض، فتم طرد العائلة المقدسة من هناك لذلك.

 

وقسقام هي كلمة من مقطعين "قوس- قام"، أي المكفن بالحلفا أو تكفين الفقراء بالبوص، ومن هنا جاءت كلمة المحرق، إذ كان يحرق بهذا المكان بقايا البوص.

 

مير: وخرجوا من القوصية وذهبوا إلى بلدة مير على بعد سبعة كيلومترات ومكثوا فيها.

 

دير المحرق: ثم ارتحلوا نحو جبل قسقام، إلى منطقة دير المحرق، وهو من أهم المحطات، لأن العائلة المقدسة مكثت فيه ستة أشهر، وهي أكبر مدة، ومنها كانت رحلة الرجوع.

 

وأيام البابا ثيؤفيلس البطريرك الثالث والعشرون، أراد أن يأخذ بركة هذا الدير، فوصل هناك قبل عيد نياحة العذراء في 21 طوبة بثلاثة أيام، ووجد المذبح الأثري صغيراً، ورأى أنه لا يليق بمكانة المكان المقدس، فأراد أن يبني مذبحاً أكبر، وفي تلك الليلة ظهرت له العذراء وقالت له: "لا تفكر في هذا ولا تدشنه لأن ابني الحبيب قد دشنه بيديه الطاهرتين"، واستفسر منها عن خط رحلة وجودهم في مصر.

 

وهذا المكان له بركة خاصة، لأن العائلة المقدسة عاشت فيه أكبر مدة، ولأن المذبح الذي فيه هو المكان الذي كان يجلس عليه السيد المسيح، وهو المذبح المشار إليه في إشعياء (19: 19): "في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخمها" حيث وسط مصر تماماً.

 

وفي هذا المكان ظهر الملاك للقديس يوسف النجار وقال له: "قم خذ الصبي وأمه واذهب إلى إسرائيل لأنه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي"، فقام وأخذ الصبي وأمه وجاء إلى إسرائيل" (مت 2: 19-21)

 

وقد صار هذا المكان ديراً أيام القديس باخوميوس في النصف الأخير من القرن الرابع الميلادي، ومكث فيه الإمبراطور زينون عام 481 ميلادية، بناء على رغبة ابنته إيلارية التي جاءت إلى مصر، وترهبت فيها، وقد بنى حصوناً في كل أديرة مصر ومنها المحرق.

 

أما كيفية الرجوع فكان لابد أن يتجهوا جنوباً إلى منطقة مراسي السفن، وقد يكونوا عبروا على دير العذراء بدرنكة، ثم جنوباً إلى منطقة الجنادلة بأبوتيج، لأنها كانت مركزاً للسفن الكبيرة، إذ إن العائلة المقدسة أرادت العودة السريعة بلا توقف، فأخذت النيل من الجنادلة إلى منف مباشرة، ولا يقوى على هذه الرحلة الكبيرة في النيل إلا سفن كبيرة، وليست مراكب كما كانت رحلة المجىء.

 

ثم من منف إلى المعادي، ثم عبروا إلى بابليون مرة أخرى، وغالباً مكثوا أياماً في مغارة أبي سرجة لترتيب رحلة العودة، وأخذ ما يكفي رجوعهم مادياً من عائلاتهم اليهودية، وهذا ما جعل بعض المؤرخين يضعون مغارة أبي سرجة في طريق المجىء، والبعض في طريق العودة لأن هناك مراجع تقول هذا، وأخرى تلك ولكن الحقيقة أنهم سكنوها في المرتين في المجىء والعودة.

 

ثم أخذوا فرع النيل البيلوزي إلى رفح ومنه عائدين إلى الوطن حيث سكنوا الناصرة.

القمص أنجيلوس جرجس / كاهن كنيسة أبى سرجة

تمثال من الرخام لتمجيد رحلة العائلة المقدسة

 

لوحة دخول السيد المسيح والسيدة العذراء الي مصر

 

منحوثة صخرية تؤرخ لرحلة العائلة المقدسة

 

الخريطة الأصلية لرحلة العائلة المقدسة

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية