سبعة قرون علي إنشائه في القاهرة

قصر الأمير طاز.. أخر قصور دولة المماليك البحرية إكتمالًا

قبل ما يقرب من سبعمائة عاماً مضت، وتحديدًا عام 1352 ميلادية، قرر الأمير سيف الدين طاز بن قطغاج، أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون وساقيه وزوج ابنته فى عصر دولة المماليك البحرية، وشقيق "المظفر حاجي" أحد الأمراء الذين كان بيدهم الحل والعقد في الدولة، بناء قصر إحتفالًا بزفافه علي "خوند زهرة" إبنة السلطان الناصر محمد، استمر بنائه ثلاثة سنوات وبضع أشهر، وأشرف على عمارته الأمير منجك، ليتزين شارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة بمنطقة الخليفة بالقاهرة القديمة بتلك التحفة المعمارية الفريدة من نوعها، تبلغ مساحتة أكثر من ثمانية آلاف متر مربع.

 

يُعد قصر الأمير طاز القصر المملوكى الوحيد الباقى حتى اليوم بكامل عناصره المعمارية، والتى تدل على مظاهر الحياة اليومية بالقصور المملوكية، فقد كان عند إنشائه عبارة عن فناء كبير تم تخصيصة كحديقة للقصر، تتوزع حولها من الجهات الأربع مباني القصر الرئيسية والفرعية، أهمها جناح الحرملك والمقعد، وهو المبني الرئيسي المخصص للاستقبال، واللواحق والتوابع والاسطبل، لم يتبق منهم سوي الواجهتان والمبني الرئيسي، وبقايا قاعة الحرملك التي تم هدم أجزاء كبيرة منها، بالإضافة إلى القاعات المستحدثة التي استخدمت كمخازن وقاعات دراسية.

أماعن القصر نفسه فهو عبارة عن هيكل مربع الشكل، ذو مدخل مستطيل الشكل يبدأ بـ"باب" مزخرف بفنون هندسية مملوكية، وفي نهاية الممر ممران أخران ينتهيان بفناء مستطيل الشكل، والذي يمثل صحن القصر، ويطل علي شارع السيوفية، كما يوجد باب فرعي أخر وصفه المؤرخين أنه "باب سر القصر"، ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية، ويطل علي حارة الشيخ خليل، وللقصر قاعاتان رئيسيتان، الأولي سفلية مازالت موجودة حتي اليوم، أما العلوية فلم يبق منها سوي الجدار الشمالي الشرقي، فطيلة عقود طويلة تأثر قصر الأمير طاز بالعديد من العوامل التي ساهمت في فقدان بعض من معالمه،

كان للقصر ساقية علوية مندثرة اليوم، كانت تقوم بتغذية الحمامات العلوية ونافورة الحرملك، ويطل الجزء الخاص بالحرملك على الفناء بمجموعة من الشبابيك المصنوعة من الخشب البغدادلي، وتعلوها ثلاثة شبابيك مستديرة تعرف بالقمريات، أما السلاملك نفسه فيوجد بالطابق الأرضي منه، وهو مقعد خاص بالحرس المسئول عنهم الأمير طاز، ويليه الساقية الأرضية، وهي أول ساقية مكتشفة باقية حتى الآن، تعود للقرن الرابع عشر، وكان المقعد العلوي بالمستوى الأول للسلاملك عبارة عن مقعد خاص بالأمير طاز، يستقبل فيه ضيوفه ويجلس معهم مع الفرقة الموسيقية، وتقام الإحتفالات بها ويقع خلفه حجرات عبارة عن ملاحق ومنافع ومبيت للسلاملك.

في سبعينيات القرن التاسع عشر، ومع حكم الخديوي إسماعيل خامس حكام الأسرة العلوية، قررت الحكومة الخديوية تحويل القصر إلى مدرسة للبنات، وبعد سنوات من ذلك القرار، ومع ظهور علامات الشيخوخة علية قامت الحكومة بإخلائه ليتحول إلي مجرد مخزن رئيسي للحكومة، وذلك لوقوعه في قلب القاهرة، وفي مارس 2002 تعرض أحد جدران القصر للإنهيار، فقررت وزارة الثقافة بدء مشروع شامل لترميم القصر بعد إهماله لعقود وقرون طويلة، ليعود رويدًا رويدًا إلي طبيعته.

بدأ نجم الأمير طاز في الصعود خلال حكم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد، حتى أصبح في عهد أخيه المظفر حاجى أحد الأمراء الستة أرباب الحل والعقد ممن كانت بيدهم مقاليد الدولة، وفي عام 1347 تٌوج حسن ابن الناصر سلطاناً وكان صبياً عمره 12 عاماً، وحينما بدأ في طرد كبار الموظفين خاف طاز علي منصبه فقام بخلعه وتنصيب أخاه الأصغر الملك الصالح على العرش، وجعله دوادار دولته، كان حسن يحظى بدعم من الأمير شيخو القوي والذي كان ينتظر الفرصة للوصول للسلطة، وبعد ثلاثة سنوات وضع شيخو السلطان الصغير بالحريم، وأعاد تنصيب حسن سلطاناً، وعندما قرر الأمير طاز العودة الي القاهرة لقتال الأمير شيخو والسلطان الصغير، وجدهم يفقونه عددًا، ففر هاربًا للإختباء في منزل شقيقته، وبعد أيام قام بتسليم نفسه للسلطان حسن.

خرج الأمير طاز من القاهرة وتولى نيابة حلب، وهناك كون جيشاً ضخماً، وما لبث أن ثار عليه أمراؤها حتى هُزم وعُزل عن نيابتها وأُمر بالعودة إلي القاهرة، وتم القبض عليه، وكحل عينيه لإبعاده عن الحياة السياسية للأبد، واعتقل بالكرك ثم نقل للإسكندرية فسجن بها حتى أفرج عنه بعد مقتل الناصر حسن، فعاد إلي القدس ومنها إلي دمشق فى أواخر سنة 1360 ميلادية وظل بها حتى مات عام 1361 ميلادية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية